اتصل بنا
 

وجوه سفر برلك السوري كثيرة : تشرد وبطالة وفقر مدقع 

باحث سوري

نيسان ـ نشر في 2016-03-01 الساعة 15:37

نيسان ـ

بحلول يوم الخامس عشر من شهر آذار- مارس الحالي، يكون قد مر 1827 يوماً من عمر مرحلة نوعية في مسار التاريخ المعاصر للشعب السوري. حفلت بالآمال الكبيرة ودروب الآلام الوعرة التي دفعت المبعوث الدولي والعربي السابق إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، مرات كثيرة إلى التحذير من عواقب انهيار الدولة السورية ومن تحول سوريا إلى صومال جديدة . فقد قال في معرض حديثه عن الوضع العام 2012: “إن خطر الصوملة هو الأقرب إذا لم تعالج هذه المشكلة المتفاقمة . الشعب السوري يعاني معاناة كبيرة جداً . الناس يتحدثون عن خطر تقسيم في سوريا . أنا لا أرى تقسيماً . أعتقد أنه إذا لم تعالج هذه القضية معالجة صحيحة، فالخطر هو الصوملة وليس التقسيم، أي انهيار الدولة وظهور أمراء حرب وميليشيات وتشكيلات متقاتلة” .

وهناك مؤشرات واضحة على احياء رميم أيام “سفر برلك” - معناها بالتركي “الحرب الأولى” أو”الترحيل الجماعي” أو “الغياب بلا عودة”، حيث قضت مجاعة “سفر برلك” التي رعاها حكم طاغية مستبد هو جمال باشا الشهير بالسفاح قائد الجيش العثماني الرابع، على مئات الآلاف من السوريين، وتناقلت الأجيال قصصاً مروعة عن مشاهدات لأطفال ماتوا في الشوارع ونهشت أجسادهم الكلاب.

ومن أبرز المؤشرات على عودة أيام “سفر برلك” إلى سوريا:

أولاً، الارتفاع الصاروخي أو الطفرة الكبرى في معدلات الهجرة والتهجير والنزوح واللجوء التي ساهم تفاعلها مع ظواهر تقليدية مثل: هجرة اليد العاملة وهجرة العقول والاغتراب والنفي السياسي إلى تغير كبير في الخريطة الديمغرافية السورية وتضاريسها الاجتماعية والدينية والقومية.

وإذا كان أكثر من 4 ملايين سوري فرّوا من بلادهم، في أضخم عملية تهجير ونزوح للسكان في العالم، فقد انتزع للاجئون السوريون الصدارة في الترتيب العالمي للمهاجرين، متجاوزين الأفغان (2.6 مليون) الذين كانوا أضخم مجموعة للاجئين طيلة 3 عقود.

ووفقاً لدراسة أعدها الباحث الاقتصادي السوري عمار يوسف فإن 60 في المئة من المهاجرين (أو اللاجئين) هم من الطبقة الوسطى، إضافة إلى 10 في المئة من الأثرياء، والبقية من الفقراء أو محدودي الدخل.

ورغم أن وجهة النظر الحكومية، هي أن المهجرين أو المهاجرين «فعلوا ذلك تحت ضغط المجموعات المسلحة»، وبالتالي مستعدون للعودة «فور عودة الأمن»، إلا أن هذا ليس سوى منظور ضيق من الصورة الكبرى، التي تشمل مدناً وبلدات وقرى مدمرة بالكامل، وورشاً ومصانع تحولت إلى أطلال، وفرص عمل محدودة، وبرواتب لا تكفي بالكاد في ظل التضخم المتنامي، من دون الإشارة لموضوع الخدمة العسكرية الإلزامية، وانعدام الأمن الشخصي، وانسداد الأفق المستقبلي، وضيق الأفق السياسي.

وتخسر الدولة السورية نتيجة للهجرة كوادرها البشرية، ولا سيما أنه وفقاً للدراسة السابقة فإن ما نسبته 77 في المئة من المهاجرين هم من الشباب في المرحلة العمرية المتوسطة أو الشابة (بين 18 و40)، وبمستويات تعليمية جيدة.

وتخسر سوريا أيضاً أثريائها ونخبة رجال الأعمال. وكانت صحيفة ديلي تليغراف قد ذكرت أن اللاجئين السوريين الأثرياء يدفعون الآلاف من الجنيهات الاسترلينية للهجرة بصورة غير مشروعة إلى أوروبا، على متن الطائرت والسفن السياحية الفاخرة. والوجهات الأوروبية المطلوبة، هي باريس ولندن واستوكهولم.

ومن المفيد الإشارة إلى دور الأغنياء السوريين الجدد في الأزمة وعلى نحو خاص في عملية تهريب واسعة لأموالهم إلى الخارج وتسارعت هذه العملية منذ مطلع السنة 2012، مما تسبّب في إغلاق أبواب المدن الصناعية تقريباً، وتوقفت عمليات الاستثمار الجديدة كلياً.

وأكد تقرير أصدرته شركة ويلث إكس، أن سورية قد حافظت على المرتبة السادسة في الشرق الأوسط من حيث عدد الأثرياء الذين يملكون 30 مليون دولار على الأقل، ووفقاً لبعض التحاليل شكلت ثروة هؤلاء نحو 38.7% من حجم الاقتصاد السوري في أوج نشاطه قبل بداية الأزمة الحالية، وذلك قياساً إلى إجمالي الناتج المحلي في 2010 حيث بلغ 59.3 مليار دولار.

ولا تجد الحكومة حاليا قدرة على مواجهة هذا الواقع، كما لا تستطيع تجاهله. وشدد مجلس الوزراء ببلاغ عام بتقييد أذونات السفر والإجازات الطويلة من دون راتب للغاية ذاتها، علماً أن الدولة جنت في الوقت ذاته ما يعادل 521 مليون دولار من إصدارات جوازات السفر، وبمعدل 3000 وثيقة يوميا (بلغ مجموعها قبل نهاية العام 2015 نحو 829 ألف جواز).

ووفقا لبيانات نشرها «مكتب التنسيق للشؤون الإنسانية» التابع للأمم المتحدة (اوتشوا) فإن أكثر من 7.5 ملايين شخص نزحوا من مناطق إقامتهم إلى مناطق افترضوها أكثر أمناً، بل إنه في فترة تغطي الأشهر الستة الأولى من هذا العام 2015.

ووفقا لإحصائيات «الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان»، بالتعاون مع «المعهد العالي للدراسات السكانية» في دمشق، فإن «ثلث السكان قاموا بحركة نزوح داخلي»، وأن ربع السكان، والمقدر عددهم بـ 5 ملايين نسمة، مقيمون في أماكن غير اعتيادية لهم.

ثانياً، شلل الاقتصاد السوري حيث يؤكد خبراء أن العقوبات الإقليمية والدولية المفروضة على سوريا، أوقفت عجلة الإنتاج في معظم قطاعات الاقتصاد، وأوصلتها خلال السنوات الخمس المنصرمة من عمر الأزمة السياسية، إلى الشلل التام بعد توقف أكثر من 80 بالمئة من المنشآت الصناعية.

ويترافق ما سبق، بارتفاع معدلات التضخم فوفقاً للمكتب المركزي للإحصاء، وهو مؤسسة حكومية تابعة لمجلس الوزراء، ارتفع مؤخراً معدل التضخم في سوريا بمعدل 40 في المئة بالمقارنة مع العام الماضي.

لكن التضخّم، الذي يأتي بأثر سلبي حادّ على المواطن، يعتقد بعض المحللين الاقتصاديين أنه قد يكون مفيداً للحكومة، أو ربما مستحبّاً. ويستشهد الصحافي الاقتصادي عامر شهدا بالقول إن رواتب موظفي القطاع العام كانت تعادل بالقيمة منذ خمس سنوات خمسين مليار ليرة (حوالي مليار دولار بحسبة تلك الأيام)، وهي تعادل الآن 130 مليون دولار، أي بفارق 870 مليون دولار يعتبرها «وفراً على الخزينة كقطع». ويرى كثر أن الحكومة «تستثمر» في فروق السعر العام للدولار لتأمين موارد كافية لتسديد كتلة الرواتب التي لا زالت تأتي في موعدها نهاية كل شهر.

ويرى شهدا أنه بالرغم من التسليم «بموضوع تراجع الموارد، إلا أن هذا التراجع قابله انخفاض بالنفقات يفوق كثيراً نسبة التراجع، ما يعني أن هناك سرقة كبيرة تحدث من خلال تأمين الموارد والربح الفاحش ».

ويوافق على الكلام السابق المعلق الاقتصادي في صحيفة «الوطن» السورية علي الأغا. ووفقاً لدراسة أعدّها الأغا حول الموازنة العامة للدولة التي أقرت للعام المقبل، فإن الحكومة تتعمّد «تضخيم أرقام إيرادات الموازنة، بحيث يتم تقليص العجز فيها، ولكن على حساب المواطن، إذ يتمّ تحميله جزءاً لا يستهان فيه من أعباء تخفيض قيمة الليرة عبر فروق أسعار المواد المدعومة (وخاصة المشتقات النفطية) برفع أسعارها قياساً إلى تكلفتها الحقيقية»، وذلك من دون أن يترافق السابق مع «تصحيح لسياسات تقييم قوة العمل وسياسات الأجور والرواتب، ما يؤدي إلى ازدياد مستويات الفقر وازدياد مستوى العجز في الدخل الحقيقي للمواطن». وانخفضت القيمة الشرائية للمواطن السوري بما يعادل 85 في المئة عنها في العام 2010.

ووفقاً لدراسة مشابهة (كانت الليرة تعادل 2.127 سنتاً في بداية الأزمة، وانخفضت على مدى خمس سنوات لنحو 0.317 سنتاً)، وهو ما يضع المواطنين من الشريحة الوسطى والدنيا في مواجهة مباشرة مع الفقر المدقع.

وبحسب الموقع الالكتروني لمكتب الاحصاء المركزي الرسمي، حقق معدل التضخم السنوي لشهر ايار ارتفاعا بنسبة 39,7 في المئة عن ايار 2014. كما ارتفع مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك من 143 في ايار 2011 الى 430 في ايار 2015 ، بحسب الموقع.

ثالثاً، الفقر، فقد كان تقرير صادر في ايار 2014 عن المركز السوري لبحوث السياسات، وهو مركز غير حكومي، قد أفاد أن ثلاثة أرباع السوريين اصبحوا من الفقراء، وأكثر من نصف السكان يعيشون في فقر شديد. ويوضح التقرير ان الاسوأ هو ان 20% تقريبا من السكان يعيشون في فقر مدقع، اذ «بالكاد يملكون الوسائل لتلبية أبسط احتياجاتهم الغذائية»، بينما السكان في مناطق النزاع المحاصرة يعانون من نقص الغذاء وسوء التغذية.

وتختصر مجموعة من الباحثين السوريين واقع الفقر في سوريا، بالإشارة إلى أنّ من بين كل خمسة سوريين، أربعة منهم فقراء. وحتى أكثر التقديرات تفاؤلاً، تؤكد أن معدل الفقر لا يقل عن 65%. ويعود تاريخ آخر مسح رسمي لحالة الفقر إلى عام 2007.

وقد انعكس الارتفاع الكبير للأسعار انعكس سلباً على الحالة المعيشية للأسر، إذ ارتفعت الأسعار منذ بداية الأزمة حتى نهاية عام 2014 نحو أربع مرات ونصف مرة، وقد رفع ذلك خط الفقر الأعلى للأسرة إلى نحو 75 ألف ليرة سورية شهرياً، ومع فقدان جزء كبير من معيلي الأسر لأعمالهم كمصدر رئيسي للدخل وتالياً للإنفاق، يصعب على الكثير من الأسر الوصول إلى هذا الخط».

كما يشير تقرير للمركز السوري لبحوث السياسات إلى أن 11.5 في المئة من سكّان سوريا إمّا قتلى أو جرحى.

ختاماً، وبغض النظر عن درجة دقة الأرقام الواردة التي لا تعكس حقائق الواقع، تتطلب مواجهة هذا الواقع "السفر برلكي" الكارثي مواجهة عملية، توطين السلام وأجواء التسامح من خلال صون حرية وكرامة المواطن أولاً.

نيسان ـ نشر في 2016-03-01 الساعة 15:37

الكلمات الأكثر بحثاً