اتصل بنا
 

ماذا نفعل حتى وقت الحكومات البرلمانية ؟

كاتب أردني وخبير مياه

نيسان ـ نشر في 2016-03-05 الساعة 11:26

نيسان ـ

تساءلنا في المقال السابق عن سر غياب الإنسجام والسير بخطوط متوازية بين السياسة والأمن والاقتصاد وضربنا المثل بأن من وراء استتباب الأمن في الأردن رجال أبروا بأيمانهم في تناقض تام مع من يقومون عندنا على شأن الاقتصاد ثم شاءت الأقدار أن تأتي حادثة إربد ويقضي الشهيد راشد الزيود دفاعا عن حياض الأردن وأمنه وبقدر الوجع على المصاب رجعت مرغما على المقارنة قائلا في نفسي: يموت في سبيل أمن هذا الوطن رجال من أمثال معاذ الكساسبة وراشد الزيود في الوقت الذي يذبح فيه الوطن على مذابح أصحاب الأهواء والمصالح الضيقة قصيرة النظر جدا.

مخطيء من يظن أني بعيد في المقاربة أعلاه.

لماذا: لأن الحكومة ضعيفة الأداء حتى في الاستثمار في تضحيات الأردنيين وحبهم لوطنهم.

من حق أخوة معاذ وراشد الزيود ولا يقل عنهم ولاء لهذا الوطن ملايين من أبنائه أن ينعموا وأن يطمئنوا على مستقبلهم على قدر تضحياتهم.

البعض لا يقر بالحاضنة الاجتماعية التي هي وراء النجاح الكاسح لقوى الأمن الأردنية ولكن القيادة الأردنية والشعب الأردني هم ملهموا وحواضن هذه الانتصارات الأمنية.

أيعجز من يصنع التفوق في الأصعب أن يتفوق في الأسهل.

لماذا هذا الطرح الآن:

أقول وبشواهد ماثلة ومؤلمة أن الضائقة الاقتصادية في الأردن وفي جزء أساسي منها سببها القلق الأمني وعدم قدرة الحكومة على توظيف النجاح الأمني في خدمة المناخ الاجتماعي والاقتصادي. بعض الأردنيين على سبيل المثال ولا سيما ممن لديهم جنسيات أخرى لم يبق من أملاكه هنا الا القليل والمعظم يعيش حالة الانتظار.

الكارثة أن الحكومة أيضا تعيش حالة الانتظار وأصبحت أشبه بحكومة تصريف أعمال.

الكل يدرك الآن أن هذه الحكومة لن تستمر طويلا في ظل الرغبة الملكية بتدشين الحكومات البرلمانية ومن هنا جاء عنوان وموضوع هذا المقال.

من ناحية عملية لن تحظى الحكومات البرلمانية لو ابتدأت غدا بأي ثقل وفعل حقيقي على الأرض لأنه لا توجد في الأردن حياة حزبية ولا يهمنا في هذا المقام من يتحمل مسؤولية عدم وجود حياة حزبية في الأردن.

إذا ستعتمد أية حكومات برلمانية في الأمد القريب على توافقات نيابية تحت القبة...السؤال المنطقي من هؤلاء الذين سيكونون تحت القبة.

الذين سيكونون تحت القبة في الأمد القريب لن يكونوا أفضل حالا ممن هم تحت القبة الآن.

أما لماذا ...فباختصار الشديد ..ستكون المشاركة الجماهيرية في الانتخابات القادمة ضعيفة جدا بناء على التجربة التاريخية للأردنيين مع معظم المجالس النيابية... إضافة الى ذلك لن يملك القدرة على الترشح لهذه الانتخابات إلا أصحاب الثقل العشائري أو الأثرياء وبالتالي قد نترحم على أيام الحكومات المعينة.

ولأن الأردنيين يريدون عنبا ولا يريدون أن يقاتلوا الناطور فلا داعي لكل هذه الكوابيس ومن الحكمة أن يجنح صانع القرار الى حكومة انقاذ فنية وليس الى تمكين مجالس نيابية عاجزة سلفا عن تحقيق أحلام الأردنيين فمشوار بناء الثقة لدى الأردنيين للتصويت بكثافة في أية انتخابات قادمة سيحتاج الى حالة انتعاش حزبية قد نحتاج لعقود للوصول اليها...

من هنا ولأن الوقت يداهمنا في ظل أخطار محدقة حتى على النسيج الاجتماعي الأردني فنحن في حاجة الى حكومة انقاذ.

حكومة الإنقاذ هذه تحتاج الى قدرة على التفكير خارج الصندوق والقدرة على التفكير خارج الصندوق تحتاج الى فريق عمل متفرغ لمعالجة تفاصيل وتقديم حلول عاجلة تتخطى الروتين الحكومي.

لماذا:

الوزراء الحاليون في الحكومة حتى ممن يعرفون المشاكل ولديهم القدرة على حلها يصطدمون بواقع التفاصيل وواقع التفاصيل يحكمه أصحاب المصالح ممن يخشاهم الوزراء أنفسهم لأن الوزير يحسب أنه خارج من الوزارة لا محالة...فيبقى في مخيلة أي وزير تأثير أي قرار سيتخذه على من يخشى انتقامهم مستقبلا.

هذا للأسف هو الواقع الذي لا يريد أحد الاصطدام به أو حتى التحدث عنه وبالتالي فالحلول لن تكون تقليدية ولا بد من تفاهمات سريعة مع الجميع ولا بد أن يقتنع حتى أصحاب المصالح أن الأخطار الداهمة أكبر من أي مصالح, فماذا سيستفيد صاحب المصالح إذا فقدهوية وطنه وموطيء قدمه.

إذا موضوع الساعة هو موضوع الأمن الشامل:

والأمن الشامل هو إعداد الأردن ليكون على قدر التحدي وحتى يكون الأردن على قدر التحدي يجب أن تكون الجبهة الداخلية فولاذية وحتى تكون الجبهة الداخلية فولاذية لا بد من تمكينها وحتى تتمكن يجب أن ترسخ أقدامها بأرض الوطن وتؤمن أنه محصن وأنها صاحبة احترام وقدرة وقرار وكرامة فيه وحتى يتحقق ذلك يجب أن يخرج الأردن من خانة انتظار المساعدات الى خانة توظيف قدرات الأردنيين الحقيقية والحفاظ على الهوية الوطنية التي أصبحت أيضا مهددة بما يتسلل إلينا من ثقافات جديدة لم يعهدها المجتمع الأردني من قبل وعلى الأقل يجب أن يكون المجتمع الأردني قادرا على صهر هذه الثقافات في بوتقته لا أن يحدث العكس وأقرب كثيرا الى هذه الحالة على مستوى الثقافة ما يخشاه الأوروبيين على مجتمعاتهم التي لا تأوي نسبا تذكر قياسا بما يأويه الأردن من لاجئين.

أما ميكانيكية تحقيق الأمن الشامل فهو تفرغ كل لأداء واجبه على أتم وجه ودون أن يشعر أنه يجابه تحديات أو إعاقات وليس ذلك فحسب بل يجب أن ينال كل في موقعه كل الدعم والتشجيع والإثراء وتوفير المتطلبات والمستلزمات.

حين يتحقق ما نطالب به أعلاه لن تكون الحكومة عاجزة حتى عن توظيف المساعدات القادمة للأردن حسب الأولويات ولن تكون الحكومة عاجزة عن تقديم المشاريع ذات الأولوية القصوى في سرعة التنفيذ ولن تكون الحكومة عاجزة عن توظيف التعليم في خدمة الإنتاج والولاء للوطن وتحقيق أجنداته الوطنية.

حين يتحقق ما نطالب به ستكون الحكومة قادرة على توظيف المساعدات في مشاريع جاهزة للتنفيذ فورا لا أن ننتظر أشهرا وربما سنوات لتنفيذ مشاريع مرصودة التمويل سلفا كما حدث ويحدث للأسف في كثير من الحالات وقد يضيع على الأردن حتى تحت هذا البند ربما مئات الملايين سواء في المنح أو القروض الميسرة أو حتى مذكرات التفاهم التي يبلغ حجم بعضها مليارات وقابلة للتنفيذ لو امتلكت الحكومة القدرة الفنية على ذلك وأقرب مثال على ذلك مذكرات التفاهم والاتفاقات الاقتصادية مع الصين والتي بلغت سبعة مليارات دولار في مشاريع في البنية التحتية يحتاجها الأردن الآن وبسرعة.

حين يتحقق ما نطالب به سيأتي الأردنيون بأموالهم ليستثمروها في الوطن ضامن حقهم وحقوقهم ومحفزهم على تحقيق كل إبداع خدمة لوطنهم.

حين يتحقق ما نطالب به لن نتوسل الحصول على مساعدات بل سيأتي مقدموا المساعدات باستثمارات حقيقية تنتج تنمية مستدامة تجعل الأردن واحة الأمن والاستقرار واحة تنمية أيضا وازدهار.

وأخيرا نتمنى أن يسمعنا هذه المرة أصحاب القرار.

نيسان ـ نشر في 2016-03-05 الساعة 11:26

الكلمات الأكثر بحثاً