الأسد يمنح العفو وبوتين يبشرنا بالفيدرالية
محمد فاروق الإمام
مؤرخ وكاتب سوري مقيم في تركيا
نيسان ـ نشر في 2016-03-06 الساعة 12:08
طلع علينا المسمى برئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد، المتورط حتى شحمتي أذنيه في مستنقع شلالات الدم التي تنزف من أجساد الشعب السوري منذ خمس سنوات، والمتسبب بنزوح وتهجير ما يزيد على اثني عشر مليون سوري في بقاع الأرض داخل سورية وخارجها، بحثاً عن الأمان الذي فقدوه على يد هذا الرجل بفعل ما يمطرهم به من براميل الموت المتفجرة والصواريخ المدمرة والقنابل المملوءة بالغازات القاتلة.
طلع علينا هذا الرئيس المزعوم بتصريح مثير للضحك والاشمئزاز والقرف حتى التقيؤ، فقدرد على سؤال حول ما على عنصر المعارضة السورية فعله ليُقبل كمواطن سوري،
قال: "عليه إلقاء السلاح في مقابل منحه العفو الكامل"، حسبما نقلت على لسانه صفحة "رئاسة الجمهورية السورية" الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
بوتين من جهته، وعلى لسان نائب وزير خارجيته سيرغي ريا بيكوف، الذي صرح بأن موسكو تحبذ سورية دولة فيدرالية، وهذا الطرح الروسي يخالف ما ذهبت إليه تركيا من أن بوتين يخطط لإقامة دولة علوية في الساحل السوري، كما ويخالف ما ذهبت إليه واشنطن من أن سورية تتجه إلى الانهيار إذا فشلت الهدنة.
الأسد الصغير يعرض على السوريين الذين اضطرهم لحمل السلاح دفاعاً عن النفس والأهل والعرضأن يلقوا السلاح في مقابل العفو عنهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا الرجيم في حالة هذيان وفقدان للتوازن، وقد نسي أنه لا يسيطر إلا على 20% من الأراضي السورية، وهذه السيطرة جاءت بفضل المليشيات والمرتزقة التي جيشتها إيران من العراق والضاحية الجنوبية وباكستان وأفغانستان، يضاف إليهم مؤخراً ميليشيا الحماية الكردية،وأنه خلال خمس سنوات من المواجهة مع الشعب السوري أزهق أرواح ما يزيد على نصف مليون مواطن سوري بين طفل ورجل وامرأة، وغيب في سجونه ومعتقلاته نحو هذا العدد، وأرغم اثني عشر مليوناً على الهجرة أو النزوح خارج البلاد وداخلها، وإمعاناً في هذيانه راح يحضر لانتخابات في أواخر نيسان القادم، وكأنه لا يدري أنه وقّع على الهدنة مع المعارضة السورية برعاية الأمم المتحدة والدول الكبرى، وهي المقدمة لمفاوضات ستجري بين فريقه والمعارضة حول تشكيل حكومة مؤقتة ذات صلاحيات كاملة لا وجود له ولا لفريقه ممن تلطخت أيديهم بدماء السوريين فيها، بحسب ما جاء في جنيف 1 وجنيف 2 والقرار الصادر عن مجلس الأمن رقم (2254).
بوتين الذي هرول سريعاً لإنقاذ ذيل كلبه بشار، بعد إخفاق الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب اللات والمرتزقة التي جندتها طهران من العراق وأفغانستان وباكستان في تمكينه من رقاب السوريين، هرول سريعاً إلى سورية بكل هيبته كدولة عظمى تملك ثاني ترسانة حربية في العالم من أسلحة الدمار الشامل والتقليدي البرية والجوية والبحرية، والذي راح منذ أن وطئت قدماه أرض سورية باتباع سياسة الأرض المحروقة عبر قصف المدن والبلدات والقرى السورية بمختلف أنواع الذخائر المدمرة والحارقة والقاتلة على مدى شهور عدة، دون أن يحقق على الأرض أي مكاسب تذكر، اللهم إلا قتل المدنيين وتدمير المستشفيات والمساجد والمدارس والمؤسسات الحكومية والخدمية، وعندما أصيب بخيبة الأمل من ذيل كلبه بشار الأسد الذي لم يتمكن من التغيير المطلوب على الأرض، رغم كل ما قدمته له موسكو من دعم جوي وصاروخي، راح يطرح فكرة "سورية الفيدرالية" ويعود بنا إلى تجديد حلم قياصرة روسيا في "معاهدة بطرس بورغ" التي جمعت إضافة إلى موسكو كل من بريطانيا وفرنسا، لاقتسام أراضي الدولة العثمانية الواقعة شرق المياه الدافئة "البحر المتوسط"، سورية الكبرى التي تضم سورية الحالية وفلسطين المحتلة ولبنان والأردن، وقد انسحبت روسيا من هذه المعاهدة بعد قيام الثورة البلشفية فيها عام 1917.
بوتين صاحب عقلية رجل المخابرات الذي لا يؤمن إلا بالعنف واتخاذ القرارات المنفردة والتشبث بها، والجاهل بالتاريخ ومعادن الأمم لم يتنبه إلى قراءة تاريخ سورية والتعرف على شعب سورية العظيم الذي يفضل الموت على الذل والاستكانة، جهل بوتين وحماقته جعلاه يغفل ما فعله السوريون في مواجهة فرنسا التي استعمرت بلدهم، وأرادت تفتيت سورية إلى دويلات على أساس عرقي وطائفي، فجعلت من سورية خمس دويلات، لم تدم طويلاً لتعود سورية موحدة كما هي اليوم، فسورية بشعبها المتسامح لم يعرف يوماً الطائفية والعرقية، ولولم يكن كذلك لما تمكن العلويون من حكم سورية لنصف قرن تقريباً، رغم أنهم أقلية لا يزيد عددهم على 8% من السوريين في مقابل 80% من المسلمين السنة.
وإذا ما جرب بوتين حظه في الإقدام على هذه الخطوة فسيعجل بهزيمته يجرجر أذيال الخيبة والهوان، لأنه سيكون في مواجهة كل السوريين بمن فيهم الشرفاء والوطنيين من الطائفة العلوية، كما حدث ذلك أيام الاستعمار الفرنسي.
وكلمة أخيرة نقولها لذيل كلب روسيا بشار الأسد "إنك راحل لا محالة فتخير أي طريق تريده، كما قال الجبير، بالسياسة أم بالحرب". ونقول لبوتين "إنك مهزوم لا محالة فتخير بين المحافظة على ماء وجهك أو بتعفير جبينك بالهزيمة التي ستفوق ما ذقته في أفغانستان!!".