دور وزارة البيئة في الظرف الاستثنائي الحالي في الأردن
فتح سعادة
كاتب أردني وخبير مياه
نيسان ـ نشر في 2016-03-07 الساعة 19:20
تأسست وزارة البيئة في العام 2003 بموجب قانون حماية البيئة المؤقت لعام 2003 والذي تم إقراره من قبل مجلس الأمة ليصبح قانون حماية البيئة رقم (52) لعام 2006.
مرت الآن ثلاث عشرة سنة على تأسيس وزارة البيئة كوزارة وعشر سنوات على إقرار قانون حماية البيئة وأتت هذه المرحلة بعد عشر سنين على تأسيس المؤسسة العامة لحماية البيئة (1996) كمؤسسة مستقلة ماليا وإداريا وكانت منذ ذلك الحين الجهة الرسمية المسؤولة عن حماية البيئة في الأردن أي أن عمر وزارة البيئة الفعلي عشرون عاما.
ليس هذا فحسب بل قامت مديرية الأمن العام باستحداث إدارة الشرطة البيئية في 15 حزيران 2006 وذلك للمساعدة في تطبيق القوانين والتشريعات التي من شأنها حماية البيئة الأردنية بعناصرها ( ماء، هواء، تربة، التنوع الحيوي) .
وقد كان هناك تركيز أيضا على حماية البيئة من خلال كتب التكليف السامي للوزارات المختلفة فعلى سبيل المثال كتاب التكليف السامي الأول لدولة السيد عبد الرؤوف الروابدة (4 آذار 1999) تضمن الفقرة التالية:
" تتعرض البيئة الإنسانية للجور والاعتداء، وهي بحاجة إلى عناية خاصة تضمن تفعيل التشريعات وتطويرها ، وتوفير الكفاءات المتخصصة القادرة على العمل الميداني الجاد ، وتفعيل مشاركة جميع المؤسسات والهيئات الرسمية والأهلية ، بهدف حماية التربة والماء والهواء من التلوث وحماية الأرض الزراعية من الاعتداء ، ومكافحة التصحر وانجراف التربة وصيانة المحميات الطبيعية ، والقيام بجهد وطني شامل للتحريج وتطوير الغابات".
وبلا أدنى شك كانت هناك جملة من الإنجازات تمثلت في إقرار العديد من التشريعات وتطبيق الكثير من وسائل الرقابة بل ودراسة الأثر البيئي للمشاريع المختلفة في مرحلة ما قبل الإنشاء.
أما بخصوص المعوقات فأول هذه المعوقات كانت تداخل السلطات مع العديد من الوزارات ولا سيما وزارة المياه والري ووزارة الصحة ووزارة الزراعة وقد قامت الوزارة بكثير من الأدوار الرقابية التي كانت تنفذها الوزارات الأخرى ولا سيما وزارة الصحة ووزارة المياه والري مما أهدر الكثير من المال والجهد.
أما قضية هذا المقال فهو الإنجازات المنتظرة من وزارة البيئة في ظل حقائق جديدة وتحديات ماثلة للعيان أصبحت تهدد البيئة الأردنية والإنسان الأردني وأبرز هذه التحديات هو الزيادة الهائلة في عدد السكان والهجرات الجديدة الى الأردن ووجود مخيمات اللجوء السوري.
من هنا تطفو على السطح قضايا ذات أثر مباشر في صحة وسلامة الإنسان الأردني فعلى سبيل المثال لا يمكن إغفال قضية كبرى مثل قضية السكن حيث يجب أن تتربع هذه القضية على رأس اهتمامات وزارة البيئة.
يلاحظ المراقب للشأن الداخلي الأردني أن المساكن التي يضطر ملايين الأردنيين واللاجئين للإقامة فيها لا توفر أدنى متطلبات الصحة البيئية.
نذكر على سبيل المثال ما حدث في عمان والمحافظات الأردنية من غرق العديد من المنازل في مياه الشتاء وما حدث في العاصمة من خسائر بالملايين نتيجة مداهمة الأمطار لمستودعات وبيوت سكنية.
إذا هناك حاجة بيئية مستجدة تتعلق بصلاحية السكن لصحة الإنسان والحفاظ على حياته وهذه أهم بنود قانون البيئة في مادته الرابعة والتي نصت من ضمن ما نصت عليه : اصدار التعليمات البيئية اللازمة لحماية البيئة وعناصرها وشروط اقامة المشاريع الزراعية والتنموية والتجارية والصناعية والاسكانية والتعدينية وغيرها وما يتعلق بها من خدمات للتقيد بها واعتمادها ضمن الشروط المسبقة لترخيص اي منها او تجديد ترخيصها وفق الاصول القانونية المقررة .
إن الخطورة من المنازل المتهالكة والتي لا يدخل الآلاف منها اشعة الشمس أنها تنعكس بشكل مباشر في صحة الإنسان وتؤدي الى العديد من الأمراض ذات التكلفة الهائلة على المجتمع الأردني.
أما القضية الأخرى والتي لا تقل أهمية عن موضوع السكن فهي قضية زيادة المساحات الخضراء والتي نرى أنها لا تتخذ الدرجة اللازمة في سلم الأولويات وتتداخل هذه المسؤولية ما بين وزارة الزراعة ووزارة البيئة. هذه القضية أيضا ترتبط ارتباطا لازما لا يلاحظه كثيرون بقضية بيئية جوهرية في الأردن وفي هذا الظرف تحديدا وهي النفايات الصلبة خصوصا مع الزيادة الهائلة في عدد السكان وما يكلفه نقل هذه النفايات والتعامل معها بطرق تقليدية من تكاليف باهظة.
ربما قطع الأردن أشواطا كبيرة في معالجة النفايات السائلة ولكن النفايات الصلبة ولا سيما المنزلية منها لا تزال دون الاهتمام المطلوب في الوقت الذي قطعت فيه دول العالم أشواطا بعيدة في الاستغلال الأمثل للنفايات الصلبة الى درجة أن بعض البلدان الأوروبية تستورد النفايات الصلبة خدمة لصناعة السماد لديها على سبيل المثال. هنا لا يلاحظ كثيرون أن معظم النفايات الصلبة المنزلية في الأردنية والتي تشكل عبئا سواء في قضية النقل أو الطمر هي النفايات المنزلية العضوية (بقايا الطعام ومخلفات المطبخ).
إن معظم أوزان النفايات وحجمها التي تنقل الى مكبات بعيدة في العاصمة والمحافظات سببها النفايات العضوية والتي يمكن تحويلها في أماكن قريبة من جمعها الى أسمدة تخدم قضية بيئية جوهرية ألا وهي زيادة المساحات الخضراء ودعم الزراعات العضوية.
بشكل عام نرى من الضروري وفي ظل تغيرات هائلة داخليا فرضتها على الأردن ظروف اللجوء والازدحام الراهنة أن وزارة البيئة يجب أن تبحث في ضرورات بيئية مستجدة بدل تنازع السلطات والصلاحيات فيما تقوم بها وزارات أخرى فيما يتعلق بسلامة المياه والتربة والغذاء والدواء. هذه الضرورات البيئية المستجدة تشمل التدخل المباشر في كودات البناء والأنماط المعمارية وفرض المساحات الخضراء في كل ربوع الأردن والاستفادة القصوى من النفايات الصلبة فليس أقل من إدخال فرز النفايات في صلب عمل بلديات المملكة وتشجيع الاستثمار في فرز النفايات وتدويرها على مستوى مختلف مناطق المملكة بدل التكاليف الهائلة التي تتكلفها البلديات في نقل وطمر هذه النفايات.
إن التشوه المعماري وعدم تزيين المدن بأنماط معمارية والسكن العشوائي وحشر نصف عدد الأردنيين تقريبا في العاصمة وعدم التخطيط لزيادة المساحات الخضراء بالاستفادة القصوى من النفايات العضوية هو ما يجب أن تهتم به وزارة البيئة حتى يرى لها الأردنيون أثرا في حياتهم بدل إنفاق ميزانية الوزارة فيما يدخل لزاما في صلب عمل ومسؤوليات الوزارات الأخرى.
لقد آن الأوان لوزارة البيئة أن تمارس أدوارا ريادية في أعمالها وأن تقود المملكة الى واقع بيئي جديد استجابة لواقع معيشي جديد أصبح مفروضا على الأردنيين.