اتصل بنا
 

( النص الجيد ) للكاتبة الأردنية لبنى دهيسات

نيسان ـ نشر في 2016-03-10 الساعة 15:03

x
نيسان ـ

.

النص الجيد كمرآة لا تُكسر ، دوماً يعكسك كما أنت ، وإن ارتطم بالأرض ألف مرة ، وإن قُذف بحجارةٍ عمياء ابتلعها.

رائحته وإن فاض بالألم تبقى طيبة ، يقول صامتاً ، ويصمت قائلاً : عُد إلي أيها الطاعن في الحياة كُل ليلي نهار ، ودمعي ضحكٌ خجول ، أمنحك سماءً تعلو بك ، وقواميس مبتكرةً عذبة تحوي كلمات عذبة منتقاة ، تُعطر أنفاسك برائحة الورد المعتق في طياتها والذي ترجل عن ناصية الشوق ليلقاك .. فأسرع إلي .

كثيرةٌ هي النصوص التي نقرأها كما الأماني ، كما الأحلام التي حطت عليها، كما الليالي التي كحَّلت ريشةً هدباء ارتوت من مدادٍ عتيق خضبته أيدٍ معطيه، أيدٍ سخية التجربة ، خط فوقها الزمن قبل أن تخط ، فاستوت وأدركت أن هذا العمر حريٌ به أن يدون.

فكن مديناً لها ، وإذا ألح عليك النص بسطوة الحرف ، ولفظك في مكانٍ ما في سطر مزدحمٍ بالكلمات روحاً نديةً تُشبهك ، حينها ستنبت في سماءك ثمرةٌ غضةٌ لا يقطفها إلا من راكم نصوصاً وسطوراً وحروفاً ما استقامت في معانيها إلا للذي يُشرعُ في وجه المسافات نوافذه عندما تكون المسافة خطاً طويلاً بين المعرفة الأصيلة والعقل الحي.

يربطنا بالنص عُمرٌ مدون طال مُذ أدرك الإنسان أن الكتابة تقشرُ لحاء الزمن ، وتطوي مفازات بعاد شواسع ، وتنقر كوقع الماء على صخرة العمر التي لم ولن تلين كلما حل يومٌ جديد، أمضى فيه الإنسان عمراً يدون تاريخه نصوصاً ازدحمت فيها المعارف والخبرات والتجارب فكانت ذاكرة الزمن وإن كانت هشةً في بعض الأماكن.

وإن فزعت مرةً لأن حرفاً سقط من موضعه ، أو يدٍ تعبت قبل انتهاء الفصل الأخير وزهدت في البقية فلا تلمها ، فالحروف لا تسقط إلا لأعلى ، تتلقفها عينان ماهرتان ، تعيدُ تشكيلها ، تأخذ حفنةً من تراب تجبلها بدمعة صادقة أدركت أن هذا الإرث حريٌ به أن يعيش مدى الدهر ، وأن المعرفة لن تدوم إذا لم تكن تراباً قبل أن تصيرَ استيعاباً يُقرأ في نص مُلئت فراغاته بالدمع وحفنة التراب تلك ، فارتباط النص بالأرض بالتراب بالكتابة هي انتماءات طورتها المعرفة وتناسقت وتذوق البشر طعم الأرض على اللسان كلما قرأ نصاً جيداً .

كل النصوص باركتها الأيدي التي حطت عليها.

نيسان ـ نشر في 2016-03-10 الساعة 15:03

الكلمات الأكثر بحثاً