اتصل بنا
 

أمراض اليسارية الأردنية الطفولية (1)

نيسان ـ نشر في 2016-03-12 الساعة 11:49

x
نيسان ـ

محمد قبيلات

أظهرت الخمس سنوات الماضية علل وأمراض اليسار الأردني بشكل مكثف، حيث اُختزلت فيها نظرته التحليلية وتنظيراته لوقائع الربيع العربي، وهذه المرحلة التاريخية بكل حساسيتها، بثنائية محدودة بائسة، تعتمد تصنيف المواقف من الأحداث والأشخاص والدول، من خلال حصرها بمروحة لها كفتان لا ثالثة لهما: النظام السوري وإيران وحزب الله وروسيا في كفة، وداعش والوهابية والقوى الرجعية في الكفة الأخرى.

إن لم تكن مع صف النظام السوري، وتدين له بالولاء، فأنت بالضرورة في صف داعش والوهابية.

لقد أسقطت الذهنية المريضة بالتبعية لنظام آل الأسد من حساباتها، بل لم تستوعب، أنه يمكن أن تكون هناك مواقف متحررة؛ تستطيع أن تبني رأيا تقدميا، في الوقت ذاته، من النظام الدكتاتوري الفاسد ومن داعش والوهابية ومن لف لفها.

القضية هنا لا تنحصر ضمن الرأي والرأي الآخر أو الاجتهادات، التي يمكن أن تفسح مجال الأعذار لليسار مستقبلا عن هذه السقطة، فمن أوليات وأبجديات الصفات التي يجب أن تتحلى بها قوى التغيير الجذرية، القدرة على تفسير الواقع، أي أنه من دون تحليل وتفسير صحيح للأحداث، لا يمكن لها - وهي تتصدى لعملية التغيير - أن تمتلك القدرة على تحديد الاتجاه الصحيح، الذي يُفترض أنها ستأخذنا إليه بعد (اللحظة المعيارية) التي ستنقلب فيها الأمور لجهة الفكرة الجديدة.

مرّت هذه السنوات كلها من دون لحظة توقف مع الذات، أو انتباه أو إعادة تقويم للحالة التي وصلت إليها القوة التي تعتبر نفسها الطليعة الجديرة بحمل لواء ورايات المستقبل، ورمت عرض الحائط بالسلوكات والأخلاقيات والقواعد التنظيمية الثورية الماركسية اللينينية، بل أن الكثير من رموز وكوادر هذا التيار راحت تمعن في التماهي مع النظام السوري، الى درجة أنها فعليا ربطت مصيرها بمصيره، وأعطت تصورا لكل من يتابع تحركاتها بأن واجب ووظيفة الحركة اليسارية الوحيد الدفاع عن هذا النظام الآيل للسقوط.

أية عبقرية هذه التي ورطت الكثير من اليساريين وأوقعتهم في حبائل ومكائد نظام يصارع من أجل البقاء، عبر تزييف الواقع، طامعا في الاستمرار، ممسكا بالسلطة (الى الأبد)، سبيله الى ذلك ممارسات تتنافى مع كافة المعايير الأخلاقية التي عرفتها السياسة.

أية عبقرية فذة هذه التي رسخت في أذهان الجماهير صورة جديدة لليساري، صورة المنافح البائس عن نظام ديكتاتوري لا يشتهر إلا بالفساد والقمع والتنكيل بالمعارضين!

أي تناقض أخلاقي يضع اليساري نفسه به وهو يؤيد نظاما ما زالت سجونه ملأى باليساريين والوطنيين الشرفاء، ولا يكاد يمر يوم من دون أن يستشهد أحد منهم تحت التعذيب في هذه السجون، سجون لا تشبهها حتى معسكرات الاعتقال النازية؟

طبعا، أمام مثل هذا الحديث وهذه الحجج، لا تمتلك العقلية، المحصورة، المسكونة بالثنائيات ذاتها، إلا القفز فورا الى تفضيل النظام السوري بالمقارنة مع الأنظمة والقوى الرجعية، وضمن هذه النمطية المأفونة، ستبدأ تبريراتها له بوصفه نظاما علمانيا يقف الى جانب القوى المقاومة، ولا بد أن تأخذك، هذه العقلية، الى الأفكار (المعلّبة) مسبقا، لتبحر بك في دوامة الحديث الطويل عن نظريات المؤامرات مقابل الحتميات التاريخية المتعلقة بالأسدية وضرورة تحقق انتصارها كنهاية للتاريخ.

... يتبع....

نيسان ـ نشر في 2016-03-12 الساعة 11:49

الكلمات الأكثر بحثاً