اتصل بنا
 

ردا على غرايبة .. حديث عن التطبيع والهزيمة والاقتصاد

كاتب أردني وخبير مياه

نيسان ـ نشر في 2016-03-12 الساعة 14:43

نيسان ـ

هذا المقال، تعقيبا على مقال غرايبة في الحياة: مقاومة التطبيع في الأردن تضيف إلى الهزيمة خسائر اقتصادية

بصراحة أنا سأكون من أشد المؤيدين لرأي الكاتب إبراهيم غرايبة لو كان مقاله بالعنوان والمحتوى دقيق فنيا مع اتفاقي معه في مسلمات أوردها في المقال حتى لو اتهمنا بأي شيء. ورأيي دائما القوي بفكره وعقيدته لا يخشى أحدا.

انظروا الى سياسة تركيا الخارجية ربما يهاجم رئيسهم دولة ثم يكون بعد فترة ضيفا عليها تحقيقا لمصالح مشتركة أو درءا لأخطار محدقة ولا تبتعد سياسة الدولة الأردنية عن هذه الإستراتيجية.

ولذلك فقناعتنا بمعركة الوجود التاريخية الممتدة مع الفكر الصهيوني العنصري حتى في التعامل مع اليهود أنفسهم لا تتعارض من تحقيق مصلحة في ظرف معين إذا كانت هناك فعلا مصلحة والآن الى مناقشة ما أورده غرايبة في مقاله مقاومة التطبيع في الأردن تضيف إلى الهزيمة خسائر اقتصادية.

عنوان محير

عنوان المقال محير، ولا أعتقد أن في الأردن من يعترف بهزيمة ليبني عليها منافع. الحمد لله كانت معركة الكرامة بعد النكسة واسترددنا بعضا من كرامتنا وسنبقى نقاوم بكل متاح حتى يزول الاحتلال، أما تعليق الخسائر الاقتصادية على مقاومة التطبيع، فليس منصفا لأن هناك شعور عام بخيبة الأمل من انتهاكات إسرائيل ليل نهار لاتفاقية السلام.

إذا نظرنا نظرة مصلحة أردنية مجردة فإسرائيل تعيق وتحارب بل تدمر مصلحة الدولة الأردنية العليا في إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67 وخاصة بإدارة الظهر للعالم أجمع في البناء الاستيطاني وتهويد القدس.

قصة المكاسب والفرص الاقتصادية والتنموية

أما قصة المكاسب والفرص الاقتصادية والتنموية من التطبيع مع إسرائيل فيقابلها عشرات الفرص الضائعة مع دول أهم لنا من إسرائيل بألف مرة.

ضياع الفرصة هنا مرتبط بتوفير الظروف التي يبحث عنها المستثمرون وليس لمقاومة التطبيع أهمية إذا أردنا أن تكون الأردن أفضل من إسرائيل تنمويا بألف مرة وذلك لشرعية الدولة وقيادتها وانسجامها التام مع المحيط على عكس إسرائيل المنبوذة بسبب غطرستها وسياساتها من معظم دول العالم الى أن وصل الأمر الى مقاطعة الكثير من دول أوروبا ذاتها للمنتجات الإسرائيلية،والاقتصاد الإسرائيلي المتقدم وارتفاع دخل مواطنيها كان لاستغلالها الأمثل للمساعدات التي قدمت ولا تزال تقدم لها من الدول التي رعت نشأت وتطور إسرائيل وفي مقابل ذلك تمتلك الأردن دعما إقليميا ودوليا وحتى لو كان هذا الدعم أقل بكثير جدا مما تحصل عليه إسرائيل فشرعية الأردن شعبا وقيادة وانسجامها مع نفسها ومع الإقليم يعوض كثيرا جدا فرق الدعم.

قصة التكنولوجيا المتوفرة لدى إسرائيل

أما قصة التكنولوجيا المتوفرة لدى إسرائيل ودعوة غرايبة الى استغلالها في تدريب ورفع كفاءة المهندسين والمزارعين الأردنيين، فهذه التكنولوجيا متوفرة ومتاحة ومن ذات المصادر التي تأخذ منها إسرائيل ودول العالم المتقدم ذات الشرعية والمصداقية، قادرة على توفير هذا التدريب والتأهيل للأردنيين مع باع الأردنيين والعرب الطويل حتى في تقدم أمريكا ذاتها فهناك نسبة ترفع الرأس من العلماء والمهندسين والأطباء الأردنيين والعرب تعمل في تطوير الغرب ذاته والذي يقدم الدعم والتكنولوجيا لإسرائيل.

إسرائيل المعيقة

أما قصة أن المعاهدة لم تنشيء تطورا في العلاقات الاقتصادية أو أسواق جديدة مشتركة، فهذه تتحمل مسؤوليتها إسرائيل التي حاولت حتى إعاقة نقل مياه الديسي الى عمان من خلال تضخيم قصة الإشعاع على سبيل المثال.

مياه وسخة

الكل يتذكر المياه (الوسخة) التي أسالتها إسرائيل الى قناة الملك عبد الله في صيف العام 1998 والتي تسببت في أزمة هائلة في الأردن.

هل نريد الأردن معبرا لإسرائيل؟

باختصار شديد، إسرائيل لا تريد أكثر من أن يكون الأردن معبرا لمنتجاتها لدول الإقليم مع إبقاء الأردن رازحا تحت ضغط قلة المصادر والثروات ولم تثبت إسرائيل ولو مرة واحدة أنها تريد رفاهية الأردن والأردنيين حتى أن السياح الإسرائيليين أو الذين يعبرون من إيلات الى العقبة لا يحققون للسوق الأردني أية منافع تذكر.

تجربة الأردن الرسمي والشعبي مع الإسرائيليين قاسية

إذن تجربة الأردن الرسمي والشعبي مع الإسرائيليين قاسية وحتى في ناقل البحرين وهو المشروع الأهم بين إسرائيل والأردن والذي صمم لمواجهة خطر إنحسار البحر الميت الذي سببته إسرائيل بتحويلها مياه نهر الأردن الى النقب, تحاول إسرائيل أن تحمل تبعات المشروع للأردن وأن تجني هي الفوائد فقط مع أن هناك كارثة بيئية إن لم يتم تدارك اضمحلال مياه البحر الميت والذي سببته إسرائيل.

العمل في إسرائيل

وبخصوص العمل في إسرائيل فإسرائيل قوة احتلال ويلزمها القانون الدولي بتوفير كل احتياجات من يقعون تحت احتلالها، وهذا لا يعني أبدا على رأي غرايبة قبولا لواقع الاحتلال، ولكن يجب أن نفرق هنا بين من يذهب طواعية للعمل في إسرائيل وبين من هو مضطر لذلك.

إسرائيل تحتل الضفة الغربية ومدن القدس ونابلس والخليل ولا تحتل عمان ولا السلط، لذلك فهناك بون شاسع بين من يعمل في إسرائيل من أبناء نابلس أو القدس وبين من يعمل بها من أبناء عمان وهذه على كل حال تبقى مسألة أمنية بامتياز ولا نريد أن نسهب فيها كثيرا فأصحاب الاختصاص هم من يشخصون المصلحة الوطنية فيها ومن يمكن له العمل في إسرائيل ومن يشكل عمله في إسرائيل خطرا على أمننا القومي.

أشعر بالأسى طبعا من اضطرار الشباب الفلسطيني لبناء المستوطنات فالعرب بملياراتهم يرمون الفلسطينيين في البحر ثم يعيبون عليهم أنهم غرقوا فمن هو أولى بالشعور بالعار, من ينفقون ملايينهم في بارات لندن وكل مدن العالم أم الفلسطيني الذي يعمل مضطرا في بناء مستوطنة ليسد جوع أطفاله.

العمل في البلديات والكنيست

أما العمل في البلديات والكنيست فيستحيل تمييزه إلا على قاعدة الأداء فهناك من النواب العرب في الكنيست أصحاب تاريخ نضالي من أجل استرداد الحق الوطني الفلسطيني فحنين زعبي على سبيل تساوي عندنا ألف رجل في عنادها ومقارعتها للاحتلال ولا يمكن لسياسي عربي أن ينكر فضل من يسمون عرب إسرائيل في دعم النضال الوطني الفلسطيني وبل وفي دعم قضية العرب المركزية في كل المحافل الدولية بل إنه يمكن القول أن لهؤلاء فضل عظيم في إبطاء الأطماع الصهيونية وعلى الأقل يبقى هناك صوت مرتفع داخل إسرائيل وداخل الكنيست الإسرائيلي يذكر الإسرائيليين دائما أن العرب الفلسطينيين هم أصحاب الدار.

لا يجوز مقارنة غرايبة بين من يده في الماء بمن يده في النار ولا أدري ما الذي يضطرك لأن تقارن تصرف الأردني المستريح تحت سيادة بلاده بمن يقف الساعات الطوال على حواجز الاحتلال وكيف تقارن من هو مستريح في عمان بمن تعرض عليه مغريات اللجوء إلى كل بلاد الدنيا ثم يختار البقاء على أرضه منافحا ومدافعا عنها ليل نهار وخاصة في القدس.

إن أكثر ما يثير الشجون في حديث غرايبة قوله أنه في حال الهزيمة والضعف فلا أقل من أن نجني فوائد اقتصادية، لكنه يردف ذلك بعبارة في غاية الدقة والروعة حين يقول (إن الاقتصاد الضعيف لا يسمح أبدا بمقاومة والفقراء والعاطلون عن العمل لا يمكنهم أن يخوضوا معارك للمقاومة والتحرير).

اختلافي الجوهري مع غرايبة أن العمل في إسرائيل أو مع الإسرائيليين لا يمكن للإسرائيليين أنفسهم أن يبنوه إلا على قاعدة المصلحة العسكرية والسياسية والبدائل الاقتصادية عندنا في الأردن أو في إطار العمل العربي المشترك لا تبقي للعمل في إسرائيل أو مع الإسرائيليين أي أهمية تذكر بل إن الإسرائيليين هم من يحتاجوننا للنفاذ إلى الأسواق العربية الكبيرة ولذلك على الإسرائيليين أن يتخذوا القرارات الحاسمة والتاريخية في هذا الإطار إذا أرادوا أن يكونوا جزءا من هذا الإقليم.

وحتى نتخيل كيف يفكرون في إسرائيل لنا أن نتذكر الغباء السياسي القاتل في رفض إسرائيل لمبادرة السلام العربية. إسرائيل ترفض علاقات طبيعية وتطبيع مع إثنان وعشرون عاصمة عربية في مقابل إقامة دولة فلسطينية على ربع مساحة فلسطين, فهل تتخيل أستاذي العزيز أن إسرائيل التي ترفض هذا العرض حريصة على منفعة اقتصادية للأردن.

كما يشير غرايبة أن الصراع الأردني الإسرائيلي لم يعد واردا وأنه لم يعد ممكنا ولا مقبولا أن يحمل الأردن لواء القضية الفلسطينية فهي قضية لها أصحابها.

نعم القضية الفلسطينية لها أصحابها ونحن الأردنيون أكثرهم وإذا تجاوزنا قضية السيادة وانطلقنا من جوهر مقالة غرايبة في قصة المنافع الاقتصادية فما رأي إبراهيم في حقوق الأردنيين في أراضي أل 48 وما رأيه بالوصاية الهاشمية على مقدسات المسلمين والمسيحيين في القدس.

إن أهم منفعة اقتصادية للأردن هي إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وإن تجاوز هذه القضية هي تجاوز لمصالح الدولة الأردنية العليا في سبيل فتات لا يقيم للأردنيين اقتصادا ولا يحقق لهم منافع تذكر أو يمكن أخذها في الحسبان.

نيسان ـ نشر في 2016-03-12 الساعة 14:43

الكلمات الأكثر بحثاً