حجازي .. (جنرال) القضاء العسكري وصانع فلسفته
نيسان ـ نشر في 2016-03-13 الساعة 18:27
إبراهيم قبيلات
يترك اللواء مهند حجازي بصمته الخاصة في بنية القضاء العسكري، فلسفته وشعاره بعد أربع سنوات من العمل الدؤوب على رأس هذه المؤسسة الحسّاسة، حسب تأكيد مرافقيه في العمل.
فمنذ تسلمه مسؤولياته منتصف 2012، حقّق اللواء حجازي (54 عاما) حزمة إنجازات في عدّة مسارات، خلال حقبة ملتهبة من تاريخ الوطن، المحاط بقلاقل مصيرية ما انفكت تلقي بحممها على المملكة.
"امتلاك حجازي مخزونا قانونيا في إطار ثقافي شامل مكّنه من تعزيز استقلال القضاء العسكري"، حسب قول المحامي سميح خريس، الذي أكد انحياز د. حجازي إلى الموضوعية والمهنية، مقابل رفضه استخدام سلطته للتأثير في الحياة العامة، "في مشهد يعزز استقلالية القضاء ومؤسسته، ويبقيه رافعة وطنية تتمسك بالقانون وتعلي شأنه".
عمل حجازي على تنظيم هيكلية مؤسسة القضاء العسكري وفلسفتها، فضلا عن تطوير التشريعات الناظمة لها، بما يواكب ثورة الاتصالات والتعبئة الالكترونية المتصاعدة لمنصات الإرهاب.
بالنسبة لخبراء القانون، هم يصفون قانون مكافحة الإرهاب بـ"الريادي" على مستوى المنطقة، لاسيما أنه استهدف تحصين المملكة ضد المد الداعشي العابر للحدود.
وبرغم الجدال الذي رافق سنّ القانون، لجهة تأثيره في سقف حرية التعبير والنشر/ البث، إلا أنهم يؤكدون مساهمة هذا التشريع في تشكيل مرجعية لدول عربية مجاورة، تسعى للجم شبابها عن الانخراط في تنظيمات إرهابية عابرة للحدود.
كما أدخل حجازي نظام المحاكمات الالكترونية (ميزان) المعتمد في القضاء المدني، إلى جانب مأسسة آلية تأهيل القضاة من خلال معاهد محلية ودولية، وساوى بين القضاة العسكريين وأقرانهم المدنيين في الامتيازات، لاسيما صندوق التكافل والادخار.
محليا، فتح أبواب القضاء العسكري إزاء المجتمع المدني؛ لاسيما المركز الوطني لحقوق الانسان، المعهد القضائي ونقابة المحامين.
وبهذا التشبيك المجتمعي، نجح القضاء العسكري في ترسيخ صورة حضارية عن محكمة أمن الدولة، ضمن معادلة صعبة توائم بين الأمن الوطني وإنجاز العدالة، مع الحرص على تكريس مبدأ استقلال القضاء وتطبيق المعايير الدولية للمحاكمة العادلة وضمانات حق الدفاع.
واعتمد القضاء العسكري في عهده واجهة مجتمعية أكثر إيجابية، كما استحدث شعارا مستقلا، محوره الآية الكريمة: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".
النائب الأول لرئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب، مصطفى عماوي يرجع نجاح د. حجازي في مأسسة العمل القضائي العسكري إلى تدرجه بالعمل، صعودا حتى أصبح على رأس الفريق القضائي العسكري، الذي طوّعه ليحقق العدالة والحفاظ على هيبة المؤسسة العسكرية.
وأسهمت خبرات د. حجازي المتراكمة في تنفيذ الإصلاحات وتطوير التشريعات، خاصة ما يتعلق منها بالجهاز العسكري، فضلاً عن تقديمه خبرات تشريعية ثرية لمجلس النواب.
بالنسبة لعماوي؛ فإن نزاهة التحقيق من خلال النيابة العامة العسكرية وعدالة المحاكمة "جعلت من تطبيق القوانين الخاصة في محكمة أمن الدولة، سواء على صعيد مكافحة الإرهاب أو المخدرات أو غسل العملة جعلت من القضاء العسكري علامة فارقة تضاهي العدالة الدولية".
يقول: "كان شفافا، وكانت المحاكمة يطبق عليها معايير النزاهة والشفافية، وجميعها علنية وليست سرية، وهي شواهد تؤكد من خلال القضاء العسكري للعالم أن الأردن بلد مؤسسات وقانون".
يستذكر قانونيون سير محاكمة من يوصف بمنظر السلفية الجهادية عمر محمود عثمان (أبو قتادة)، الذي واجه محاكمة منصفة بشفافية عالية بعد أن تسلّمه الأردن من بريطانيا.
في حزيران/ يونيو 2015 صدرت إرادة ملكية بترفيع د. حجازي إلى رتبة لواء، بعد ثلاث سنوات على تسلمه إدارة القضاء العسكري ونيابة محكمة أمن الدولة. أثناء تسلمه مهامه، نشر أطروحة دكتوراة في فقه القانون الدولي وقواعده بعنوان: "تقييد مبدأ الضرورة العسكرية بالاعتبارات الإنسانية".
في سياق تقديمه للكتاب/ الأطروحة، يصف رئيس الوزراء الأسبق د. معروف البخيت مضامينه بأنها "فائدة للمختصين (وأيضا) تثقيفا وتوعية لغير المختصين ولجماعات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني والجهات التي تعنى بالشأن الإنساني جميعها".
وتتكثف الفائدة بفضل لغة الأطروحة وبنائها إذ "جاءت بسيطة ورشيقة، مباشرة ويسهل فهمها"، حسب المفكر الاستراتيجي، الذي قدّم "شهادة شخصية" في المؤلف: "إضافة إلى خلقه الرفيع، تميّز الباحث مبكرا بالجدّية والمثابرة، والكياسة في التعامل مع الجميع".
قبل أن يتولى إدارة القضاء العسكري، شغل اللواء حجازي عدة مناصب في القضاء العسكري، كان آخرها رئاسة محكمة الاستئناف العسكرية.
بصفته مدعيا عاما لمحكمة أمن الدولة في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية، ترافع العميد حجازي في قضايا أمنية واقتصادية مصيرية؛ في مقدمتها قضية تنظيم (جيش محمد).
القاضي العسكري المصنف خبيرا في القانون الدولي الإنساني، حائز على درجة الماجستير في الدراسات القانونية الدولية من الجامعة الأميركية بواشنطن وليسانس حقوق من جامعة دمشق.
ويستعد د. حجازي لتسليم راية القضاء العسكري إلى خلفه العميد زياد العدوان، الذي سيواصل مسيرة البناء وترسيخ مبدأ سيادة القانون.