اتصل بنا
 

أمراض اليسارية الأردنية الطفولية (2)

نيسان ـ نشر في 2016-03-20 الساعة 13:08

x
نيسان ـ

محمد قبيلات

كان بديلا لالتحاق اليسار بموقف النظام السوري تأييد الثورة، وهذا ما يتطلب أكلافا كبيرة تشعر القوى اليسارية أنها غير مؤهلة لتحمل تبعاتها.

أول تلك الأكلاف ما كان سينتج عن تأييد "الانتفاضة" التي قامت في القرى والأطراف الأردنية. المنطق يقول: إن على اليساري الانخراط في النضال المحلي، قبل أن يؤيد الانتفاضات والثورات ضد الأنظمة الحاكمة في البلدان الأخرى.

والمنطق الثوري يقول: إن على اليساري أن يكون العقل المنظم للحراكات الشعبية والمخطط لها، وأن يرفع أو يخفّض بخبرته السياسية شعارات هذه الحراكات ويحدد أهدافها بحيث تتناسب والمشروع الوطني الممكن تحقيقه.

لكننا أمام عقول خاملة للقيادات اليسارية فماذا نفعل؟

تعودت تلك القيادات المتكلسة التي اعتادت الكسل المنتَج عن "التنعّم" بالمكتسبات والاكتفاء بالهامش الذي تركته لها السلطات من نقابات وصحف، فابتدعت فكرة الانحياز للدولة الوطنية، والانسياق وراء التمسك بالذرائع التي اختلقتها الأنظمة العربية وبرعاية "إمبريالية"، مثل التخوف من أن تكون داعش أو الوهابية هي البديل للأنظمة الديكتاتورية القائمة.

جردة حساب مستعجلة، للنشاطات والمظاهرات والفعاليات التي نظمها اليسار، أو شارك فيها، سنجد أن جلّها كان موجها في الاتجاه الخارجي، وأن قضايا الداخل - وعلى رأسها فعاليات الحراك الشعبي - لم تحز على اهتمامه اللازم.

حتى مشروع إنشاء اتحاد الشيوعيين، وهو الفعل المميز الوحيد الذي كان يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على حركة اليسار الأردني، استخدم تذكرة سفر إلى دمشق، من أجل مقابلة بشار الأسد وتقديم الدعم له في حربه على الشعب السوري وثورته.

بدأ الاجتماع الأول للشيوعيين بحضور أكثر من ألف عضو، وانخفض هذا الرقم إلى النصف في الاجتماع الثاني ليصل إلى أقل من مئة عضو مع ضيوفهم في المؤتمر الأول.

هذا يعطينا مؤشرا على حالة عدم الرضا المتكونة لدى معظم الكوادر، وربما الملل، بعد أن تكشفت لها النوايا الحقيقية الكامنة وراء فكرة مشروع اتحاد الشيوعيين.

هنا لا بد من إجلاء نقطة في غاية الأهمية، وهي أن هذه الملحوظات لا تندرج ضمن المناكفات مع بعض الأشخاص من الذين قاموا بزيارة بشار الأسد أو مقابلته، بل هي أكبر من ذلك، وترتقي إلى مستوى النقد والنقد الذاتي، الذي يستهدف تصحيح المسارات، واستعادة التفويض الذي اختطفته مجموعة من الطامحين بتبوء المواقع القيادية في الحركة اليسارية لتنفيذ مآرب شخصية وخاصة.

هذه المجموعة التي لا تتبنى أيّ برامج سياسية، ولا تمارس أي نشاطات نضالية يمكن أن يكون لها تأثير في الصعيد الوطني، وكل ما تتفتق به ذهنيتها من أفكار لا تتجاوز الالتباسات وردود الفعل البسيطة النابعة من حالة الرهاب الناتجة عن متلازمة "الإسلام فوبيا".

متلازمة ذهبت بعيدا في رعشتها لتخلق الوهم بأن روسيا هي الاتحاد السوفييتي، وأن مجموعة البريكس هي حلف وارسو، ما وفر لها غطاء وفيرا بالعيش في جملة من الأوهام والتخيلات، وبالتالي التحليلات السياسية والمخرجات التي وفرت الغطاء لبقاء المجموعة اليسارية محافظة على اختلافها وخلافها مع الآخرين لضمان التنعم بأجواء نضالية كاذبة، ويرافق هذه الحالة جملة من التبريرات المتناقضة تحشدها المجموعة لإقناع الأتباع.

لا بد من الإشارة هنا إلى أنه كان يمكن أن يكون لروسيا موقف ايجابي من الأزمة السورية، فلديها الكثير من المفاتيح لحلها. نعم كان يمكن لموسكو أن تخفف من معاناة الشعب السوري، وأن تؤمن انتقالا أقل دموية للسلطة، لو أنها تخلت عن أحلامها الامبريالية.

اليسار الأردني هب مؤيدا للتدخل العسكري الروسي في سورية، ثم تغنى بالخطوة الروسية المفاجئة بالانسحاب. وبينما أيدوا "البريكس" سابقا ونشاطات كوريا الشمالية النووية هم الآن مع التحفظات الروسية على النشاطات الكورية ذاتها.

بالنسبة للانسحاب الروسي من سورية، يقولون الآن إنه ضروري ومهم لدعم الدولة السورية، لكن لِمَ لَم يقل أحد منهم هذا الكلام قبل أيام من الانسحاب نفسه؟ لِم لم يطالب أي منهم بانسحاب القوات الروسية قبل أن ترحل من تلقاء نفسها؟ إنه ادعاء الفهم لكن بأثر رجعي.

.... وللحديث بقية

نيسان ـ نشر في 2016-03-20 الساعة 13:08

الكلمات الأكثر بحثاً