اتصل بنا
 

الاستثناء العربى.. كمون فعودة

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-03-21 الساعة 13:03

نيسان ـ

حول الموائد المستديرة لمؤتمرات وورش عمل الجامعات ومراكز الأبحاث الغربية يتحلق رسميون وأكاديميون من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا يبدون آيات الاعتذار والندم على «تورطهم» فى شىء من دعم حقوق الإنسان والحريات فى بلاد العرب، ويروجون مجددا «للاستثناء العربى» الذى يحكم مسبقا بالفشل على محاولات الانتقال الديمقراطى والحكم الرشيد.

قبل ٢٠١١، استند حديث الغربيين عن «الاستثناء العربى» تارة إلى مقولات متوهمة عن «التناقض بين الإسلام والقيم الديمقراطية»، وتارة ثانية إلى مزاعم متهافتة بشأن «سلطوية الثقافة السياسية» للمجتمعات العربية وتفضيلها لحكم الفرد / الأب / البطل المخلص الذى تلقى عليه «المسئوليات الوطنية» وتتعلق به «آمال الناس»، وتارة ثالثة إلى خصوصيات مفترضه تحول بين العرب وبين الحكم الديمقراطى كالبنية القبلية لبعض البلدان والتنوع الدينى والمذهبى والعرقى لبعضها الآخر وسطوة المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية لبعضها الأخير.

قبل ٢٠١١، فكك مفكرون وأكاديميون عرب وغربيون الحديث الواهى عن «الاستثناء العربى» بكتابات عديدة قدمت للخبرات الديمقراطية فى المجتمعات ذات الأغلبيات المسلمة فى آسيا (إندونيسيا نموذجا) وفى إفريقيا (السنغال نموذجا) وفى أوروبا (جمهورية البوسنة والهرسك نموذجا)، ووظفتها لدحض وهم التناقض بين الإسلام والقيم الديمقراطية. أنجزت أيضا شهادات فكرية وكتابات أكاديمية كثيرة عن بحث العرب المستمر عن العدل والحق والحرية، والمقاومة الشعبية المتكررة للاستبداد والسلطوية، ورسوخ الممارسة الديمقراطية فى عقود الليبرالية العربية بين ١٩١٨ و١٩٤٨.

قبل ٢٠١١، بدأت النقاشات حول بلاد العرب تهدم أساطير «خصوصيتنا المناوئة لحقوق الإنسان والحريات» إن باستدعاء الخبرات الناجحة للانتقال الديمقراطى فى مجتمعات متنوعة دينيا ومذهبيا وعرقيا (من الغرب الأمريكى والأوروبى إلى الهند وبلدان أمريكا اللاتينية) وفى حالات حكمت بها المؤسسات العسكرية والأمنية طويلا ثم غادرت السلطة وتوافقت على تأسيس تدريجى للحكومات الديمقراطية (بلدان أمريكا اللاتينية وبعض البلدان الآسيوية كإندونيسيا)، أو بالتدليل على إمكانية التعايش بين البنية القبلية وبين الإدارة الحديثة لشئون الاقتصاد والسياسة وانتفاء التعارض بينهما ــ المجتمع القبلى فى الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، يدير وبنجاح بين منظومة اقتصادية مبهرة فى حداثتها، لذا يصعب افتراض «عجزه» عن تقبل الإدارة الحديثة للسياسة ولشئون الحكم والسلطة بقيمها الديمقراطية حال توفر الإرادة الجادة لاعتمادها.

قبل ٢٠١١، إذا، فكك مفكرون وأكاديميون عرب وغربيون حديث «الاستثناء العربى»، ولم يبق فى جعبة من ينكرون الحق الأصيل للشعوب العربية فى التطلع إلى بناء الديمقراطية والتأسيس لنظم حكم رشيدة من «مقولات ذات صدى» غير التأكيد المتكرر على «غياب الانتفاضات الشعبية المطالبة بالحقوق والحريات وبرحيل المستبدين» عن بلاد العرب، ومن ثم اختلافها الموضوعى عن بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية وبعض البلدان الإفريقية (كينيا كنموذج للانتفاضات المطالبة بإنهاء الاستبداد) التى تعالت بها أصداء الطلب الشعبى على الديمقراطية. وعندما انتفض العرب طلبا لكرامتهم وحقوقهم وحرياتهم، وربطوا بين التخلص من المستبدين والقضاء على الفساد والانتخابات الحرة وإنجاز العدالة الاجتماعية، كان المتوقع أن يغرب حديث «الاستثناء العربى» إلى غير رجعة وأن تنعتق بلادنا من خصوصياتها المتوهمة. إلا أن رياح السنوات الماضية جاءت بما تشتهى سفن «الاستثناء» ومكنتها من الإبحار، مجددا.

الشروق

نيسان ـ نشر في 2016-03-21 الساعة 13:03

الكلمات الأكثر بحثاً