اتصل بنا
 

عن الارتحال والشتات

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-03-22 الساعة 14:51

نيسان ـ

لماذا تنكرون الحقيقة؟ لماذا ترفضون إدراك كون الاعتراف بالحقيقة يمثل الخطوة الأولى لتغيير السلبيات الكثيرة التى تحاصر مصر؟

هناك شتات مصرى فى الخارج، وليس معارضة مصرية فى الخارج. شتات تشكل خلال السنوات الماضية فى المنافى الإقليمية (من السودان وتونس إلى قطر وتركيا) وفى المنافى الأوروبية والأمريكية. بالقطع لسنا هنا بصدد الظاهرة المستمرة منذ عقود لارتحال المصريات والمصريين بحثا عن فرص للعمل وللحياة الأفضل بعيدا عن الوطن، ولا ينبغى أبدا الزعم بكون أعداد المرتحلين منذ ٢٠١١ تتجاوز فى نسبتها إلى إجمالى السكان المعدلات المحدودة التى عرفتها مصر منذ سبعينيات القرن العشرين.

غير إن ارتحال السنوات الأخيرة رتبه على نحو متزايد الخوف من الأوضاع السياسية القائمة.

ارتحلت أسر قبطية بعيدا عن مصر عندما سيطر الإخوان على بعض مفاصل الحكم بين ٢٠١١ و٢٠١٣ وذابت الحدود الفاصلة بينهم وبين جماعات السلفيين أصحاب الخطاب التمييزى الصريح باتجاه الأقباط. ارتحلت أعداد متزايدة من الإخوان والمتعاطفين معهم ما إن شرع «الحكم الجديد» فى قمعهم وتعقبهم، وتراكمت المظالم والانتهاكات، وتزايدت أعداد المسلوبة حريتهم، وتصاعدت أحاديث العقاب الجماعى وهيستيريا الانتقام دون احترام لضمانات سيادة القانون .

ارتحلت عقول مصرية شابة ومتوسطة العمر إلى المنافى الإقليمية والدولية ما إن أسفرت الأزمات المجتمعية المتصاعدة عن تراجع الأداء الاقتصادى وانكماش القطاع الخاص وانغلاق فرص التطور المهنى. ارتحل بعض العاملين فى مجال المجتمع المدنى والمدافعين عن حقوق الإنسان إلى المنافى الإقليمية والدولية بعد أن تحول تعقبهم من قبل المؤسسات الرسمية إلى سياسة ثابتة، وارتحل بعض أصحاب الرأى وبعض الأكاديميين بعد تعقب نظراء لهم (محاربة فى الرزق ومنعا من العمل ومنعا من السفر وسلبا للحرية أو تهديدا بسلبها).

وهل توقع منصف ألا يرتحل المزيد والمزيد من الأسر القبطية القادرة بعيدا عن مصر مع الترويج المتزايد لخطاب التحريض السلفى ضد الأقباط، وعجز الإخوان عن طمأنة الأسر القبطية بجر الخطوط الفاصلة إزاء هيستيريا التمييز التى كانت جماعات السلفيين تنشرها .

هل توقع منصف ألا يرتحل الكثير من الإخوان الذين لم تسلب حريتهم إلى السودان وقطر وتركيا حين تواصلت حملات القمع الرسمية، وارتفعت أعداد القابعين وراء الأسوار ولم يعد لسلب الحرية نمط واضح (القيادات والتنظيميون الفاعلين والممولين)، وتصاعد خطاب الكراهية والعقاب الجماعى فى الإعلام ؟

هل توقع منصف أن لا يغلق بعض العاملين فى مجال المجتمع المدنى أبواب جمعياتهم ويرتحلون بعيدا بعد مأساة آية حجازى، وبعد أن أصبح العمل الاجتماعى مع أطفال الشوارع جريمة وسلب حرية وإلقائهم وراء الأسوار أمرا مقبولا؟.

هل توقع منصف أن لا تبحث بعض العقول المصرية عن فرص للتطور المهنى والعلمى فى الخارج، والداخل به ما به من الهيستيريا والجنون وغياب العقل عن الفضاء العام، وعدم وضوح السياسات الحكومية فى الكثير من القطاعات الحيوية، وخوف القطاع الخاص المتزايد، وأن لا يرتب ذلك نزيفا كارثيا للعقول المصرية؟ هل توقع منصف أن لا يرتحل بعض المبدعين والكتاب والأكاديميين بعد تعقب بعضهم، وقمع بعضهم الآخر ومحاربتهم فى عملهم، وتشويههم جميعا «كطابور خامس» يعادى المصالح الوطنية التى يحتكر الحكم تحديد جوهرها ؟

أرجوكم، تعالوا نتوقف عن دفن الرأس فى الرمال ونعترف بالحقيقة لكى نبحث بجدية عن سبل التخلص من سلبياتها.

الشروق

نيسان ـ نشر في 2016-03-22 الساعة 14:51

الكلمات الأكثر بحثاً