اتصل بنا
 

فيزو يعرف يعرف

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-03-28 الساعة 13:04

نيسان ـ

وفيزو هو بطل سلسلة قصص قصيرة للأطفال أبدعها الرسام وليد طاهر. والعنوان أعلاه هو إلى إحدى هذه القصص، وبها يعتقد فيزو أنه يعرف كل شىء مسبقا ويرهق من حوله برفضه للتعلم قبل تكرار التجارب الفاشلة. يستمر أمر فيزو على حاله دون تغيير إلى أن يعبث بمصباح كهربائى ويتألم جسديا من انتقال موجات كهربائية إليه، فيقرر الامتناع عن ادعاء المعرفة ويبتعد عن العبث بالأشياء حتى يفهم كيفية عملها وطرق استخدامها، ويبدأ فى استعادة ثقة من حوله.


على مأساويتها المتمثلة فى قتل الأجهزة الأمنية لخمسة أفراد بدلا من جلبهم إلى العدالة وتمكينهم من إجراءات تقاضى منضبطة، تذكرنى واقعة «عصابة خطف وسرقة وقتل الأجانب والاحتفاظ بمتعلقاتهم» بقصة فيزو يعرف يعرف. كما فيزو، تتمادى الحكومة فى انقلابها على المعرفة وتغييبها للعقل فى تعاملها مع جريمة قتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى، وتتشبث بترويج «روايات» ترد عليها الكثير من علامات الاستفهام. تفعل الحكومة ذلك وهى تفترض عبثا أن «رواياتها» ستخلصها من عبء تفسير أسباب الجريمة وتحديد المسئولين الحقيقيين عنها، بينما النتيجة المؤكدة الوحيدة هى فقدان الثقة فى الحكومة والانهيار الشامل لمصداقية الخطاب الرسمى.


الحكومة تعرف تعرف. لذا ألمحت الأجهزة الأمنية ما أن ذاع خبر قتل ريجينى إلى ما اعتبرته علاقات جنسية مشبوهة، متبوعة بحديث عن وجود خلافات بينه وبين رفاق السكن وزملاء الدراسة، متبوعة بأخبار مشاجرة أمام مقر دبلوماسى إيطالى بين القتيل الإيطالى وبين مواطن إيطالى آخر كأسباب محتملة للجريمة. وضربت الحكومة والأجهزة الأمنية عرض الحائط بمقتضيات المعرفة والعقل التى كانت ومازالت تلزم بالامتناع عن تركيب شبهة جنائية لجريمة القتل دون أدلة موضوعية، وبالبحث عن تفسير مقنع لوجود آثار التعذيب فى جسد ريجينى.


الحكومة تعرف تعرف. لذا لم تتردد الأبواق الإعلامية للأجهزة الأمنية فى دعم «الروايات الرسمية» عن جريمة قتل ريجينى باستدعاء «شهود زور» دفعوا بعد انكشاف أمرهم بكونهم أقدموا على فعلتهم «حبا لمصر» ورغبة فى «مساعدة» الوطن على الخروج من التداعيات السلبية للجريمة. وضربت الحكومة عرض الحائط بمقتضيات المعرفة والعقل التى كانت تلزم بمطالبة الأبواق الإعلامية بالتغطية المحايدة للجريمة وللتحقيقات القضائية بشأنها، وبالابتعاد الكامل عن إلصاق مسئولية ارتكاب الجريمة بغير مرتكبيها، لكى لا تذهب دون رجعة كل مصداقية ممكنة للتعامل الإعلامى مع قتل ريجينى.


الحكومة تعرف تعرف. لذا لجأت الأجهزة الأمنية، ما أن تصاعدت فى أعقاب بيان البرلمان الأوروبى بشأن مصر موجة الغضب الدولى بسبب جريمة قتل ريجينى واستمرار غياب الحقيقة، إلى ترويج «رواية رسمية» جديدة أبطالها «عصابة خطف وسرقة وقتل الأجانب والاحتفاظ بمتعلقاتهم» ومشاهدها الرئيسية «تصفية» العصابة فى «تبادل لإطلاق النار مع الشرطة» و«العثور» على المتعلقات الشخصية للقتيل ريجينى بحوزة العصابة و«اكتشاف» تخصص العصابة فى انتحال هوية عناصر الشرطة بجانب تخصصها الأصيل فى خطف وسرق وقتل الأجانب. وضربت الحكومة هنا أيضا عرض الحائط بمقتضيات المعرفة والعقل التى كانت تلزم بإدراك كون الرواية الجديدة لا قابلية لاستهلاكها لا محليا ولا دوليا، وكون تفاصيلها تدلل على استخفاف الأجهزة الأمنية بسيادة القانون وبضمانات حقوق الأفراد، حيث قتل أفراد «العصابة المتخصصة» بدلا من جلبهم إلى العدالة، وكون النتيجة المؤكدة للروايات الرسمية المتعاقبة هى إثارة المزيد من علامات الاستفهام عن مدى تورط الأجهزة الأمنية فى جريمة قتل ريجينى وليس إبعاد شبهة التورط عنها.

الشروق

نيسان ـ نشر في 2016-03-28 الساعة 13:04

الكلمات الأكثر بحثاً