أي إيران تحاور السعودية؟

نيسان ـ

أكبر عقدة ديبلوماسية تواجهها السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، كانت ولا تزال كيفية التعامل مع النهج الإيراني الذي يعتمد «التعبئة» وسلاح الضجيج لاتهام الآخرين بما ترتكبه طهران. والمعضلة مع إيران أنها ليست دولة ولا ثورة بالمعنى الكلاسيكي... الدولة تخاطب الجوار والعالم عبر قنوات معروفة في القوانين الدولية، بينما الإيراني يفضل أن يخاطبها بهتافات «الحرس الثوري» وتهديداته. طوّر خطابه من «التعبئة» لمواجهة «الشيطان الأكبر» أميركا، إلى تحديث الصواريخ التي يعلم الجميع أنها لن «تمحو إسرائيل».

وبين الأقوال والأفعال، لا تتساقط الصواريخ الإيرانية إلا في المنطقة العربية. حصل ذلك ولا يزال في العراق وسورية واليمن، وحين تتحدث مصادر رسمية في طهران عن رغبة جدية في فتح صفحة الحوار والتطبيع مع السعودية، لا بد أن يُطرح سؤالان:

- هل تطلق طهران بالون اختبار لحرق مزيد من المراحل، بما يخدم حلفاءها وأهدافها، مثل الحوثيين في اليمن، ليلتقطوا أنفاسهم بعد نكسات متتالية حصدوها في الحرب على الشرعية، ثم ليجدّدوا القتال العشوائي بعد جرعة تحريض إيراني؟

- أي جهة إيرانية تفتح الحوار رسمياً مع الرياض، فيما الأصوليون والمتشددون و «الحرس الثوري» ومجلس الأمن القومي الإيراني يتبارون في التصعيد... والمرشد لا يغطي الرئاسة إذا كانت تتولى القرار في توجيه دفة السياسة الخارجية؟

تدرك الديبلوماسية السعودية بالطبع، أن بين إشكالات التعامل مع «الدولة» الإيرانية، نزوعها منذ ثورة الخميني إلى مخاطبة الدول العربية باستعلاء، والأهم ادعاء الوصاية على حقوق المسلمين -والشيعة خصوصاً- في العالم. ولكن، أليست طهران بعد الاتفاق النووي، على سكة التطبيع مع الأميركي الذي ظل عقوداً «شيطاناً أكبر»؟

أليس الحوار مع السعودية أسهل بكثير، ضمن الاحتمالات الواقعية، علماً أن مسلسل الأزمات بين الرياض وطهران تكرّس منذ بدء عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد؟

لعل من المفيد العودة بالذاكرة إلى الماضي القريب، حين كان المرشد علي خامنئي يخوض جولات تصعيد مع الأميركيين، فيما كان الرئيس حسن روحاني يوجه إليهم رسائل «الغزل» والودّ، على مدى جولات التفاوض «النووي» في جنيف وفيينا. واليوم تفتح طهران أبوابها أمام شركات كل الذين كانت تعتبرهم «طواغيت» الغرب و «استكباره»، في حين تمارس هي الاستكبار مع كل مَن يخالف سياستها، و «تصدير» ثورتها.

ومجدداً، بعد ساعات على تحديد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ما هو مطلوب للتطبيع مع طهران، لم تشذ الردود الإيرانية عن القاعدة التقليدية في دولة اللادولة واللاثورة. فالمصادر الرسمية أوحت بمناخ جديد يفترض أن يمهد لحوار مع الرياض، لكن أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني محسن رضائي، بادر سريعاً إلى شن حملة على المملكة، متذرعاً بتورط سعوديين بالإرهاب. وعلى خطاه كرر مسؤول في الخارجية الإيرانية المعزوفة المعروفة حول الخلافات بين الدول الإسلامية وتأجيجها.

لا دولة ولا ثورة في إيران بالمعنى الطبيعي، وتلك المعضلة تضخمت بعد الاتفاق النووي، لتثبت لأهل الخليج صحة توقعاتهم وهواجسهم التي فاقمها الشريك الأميركي منذ دعا مجلس التعاون إلى المبادرة في بدء حوار مع الجانب الإيراني، متجاهلاً أن واشنطن تدرج طهران على لائحة رعاة الإرهاب في العالم.

عدَّد الجبير بوضوح ما هو مطلوب من الجار، الذي يعتبِر تدخله في اليمن وسورية والعراق ولبنان أمراً طبيعياً تحت مظلة «الدفاع عن المظلومين»... ولكن، مَن يجهل اليوم هوية الذين يحاصرون مواطنين من فئة مذهبية واحدة في العراق وفي اليمن، ويدعمون قتل المعارضين في سورية من فئة واحدة، ويعززون قبضة مَن يصادر الدولة في لبنان؟

واضح أن واشنطن تحاول تصحيح أخطاء هائلة ارتكبتها إدارة الرئيس باراك أوباما، في سياق علاقات «الشراكة» مع دول الخليج العربية، وردم فجوة اهتزاز ثقة الخليجيين بما بقي من دور للولايات المتحدة في المنطقة. فالرئيس المتغافل للقوة العظمى كاد لفرط تغزله بإيران، أن يوهم الجميع بأن «الحرس الثوري» سيتحوّل غداً إلى دليل سياحي، مصرّاً على أن تشدد السنّة فرّخ الإرهاب. هكذا جعل للإرهاب مذهباً، وشجع طهران أكثر على ادعاء دور الملائكة.

لقد كرر الوزير عادل الجبير أبسط الشروط لإرساء علاقات طبيعية بين دول متجاورة. ولكن، أي تطبيع يخمد براكين الحروب في المنطقة فيما إيران تتعالى على مواصفات الدولة، ولا تريد نهاية لـ «الثورة»؟

كثيرون يعرفون مَن زرع الإرهاب في المنطقة وفي الخليج، منذ انحاز الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إلى إيران في حربها مع العراق، فسهّل الاختراق الإيراني الأول للقرار العربي.

الحياة