اتصل بنا
 

جنــــون قصة لـ عصام الدين محمد أحمد 

نيسان ـ نشر في 2016-04-01 الساعة 16:05

x
نيسان ـ

يتدحرج حجر من سطح دار القرشى، تقرع العصى صفيحة ،بنهق حمار ،تثغو الحملان ،ينبح كلب ،يصرخ رضيع ،تخور جاموسة ،تثيح الديوك فى غير ميعاد الصلاة،تموء قطة ،يزيط العيال :

- بيو..بيو

تكر الأصوات وتفر ،العجوز تسوطه النبرات ،يغتاظ،ينفخ ،ينفر ،يهيل طوب (الجحريدة) على خيالات العيال ،توجعه الصيحات ،يدور حول رسمه ،يستكشف الأبواق المتنمرة ،الأولاد فى مخابئهم يتحفزون ،تنقله يثير الزوابع بالرمال والأتربة وسيل من الزلط ،أبرز من شارع النحيفية ،أتلفت خوفاَ من الكلاب المسعورة ،يلخمنى التوجس ،أصطدم بالجسد الصخرى ،يقبض على ياقة قميصى من قفاى ،يرجف قلبى ،ينز جسدى عرقاَورعباَ ،تتسمر عيناى على تجاعيد مسنونة الحواف ،عيناه تطق شرراَ ،أتوسل فى صمت ليدعنى ،تغطى ريالته ذقنه ،يتحشرج صوتى :

- يا عم الحاج أنا ........

صفعة قوية تلحد حروفى ، وثانية تهدنى ،وثالثة تطلق رفاتى من يده ،أجرى ،يتقوقع مطرحه ،موجات الأصوات تنرفزه ،يتوعد الجميع بالقتل ، أطوى الأرض ،الأولاد يتضاحكون ،يتعالى صخبهم ،تعرقل قدمى اليمنى اليسرى ،تبطحنى شقفة من الصوان ،تنهضنى سرعة فوق كل السرعات ،ألهث ،تتبدل الأرض ثعباناَ مهولاَ يبتلع كل الأشياء ،لقفنى أبى أمام الدار ،عقد ما بين حاجبيه ، مسح دمائى بتؤدة وصرامة ، لم يركلنى بالأسئلة ،ربت على كتفى الموجوع ،أكتم آلامى ، ينطق :

- من الذى ضربك ؟

أتذكر البكاء ،يمهلنى فترة ،يخفت نحيبى ،يعاود السؤال :

- من الضارب ؟

أرد بحروف موتورة :

- الشيخ سيد .

- وكيف أمسك بك ؟

أصمت ، أتألم بآهات مكبوته ،يطلب الأجابة ، تخذلنى الكلمات ،أتشنج ، أتحسس آثار يده الغائرة ،يحكى وعلامات الأسى والحيرة تتخلل صوته الرخيم :

{ زين الشباب كان ؛ جمال وفتوة ، رزقه فى الأسواق ؛يمشى معرش ؛ شال كشمير وجلباب جوخ ، أمل كل بنات القرية ،عايق ودمه خفيف ، لا يعود من الأسواق إلا فى أنصاف الليالى ،وفى ليلة شتاء وأثناء مروره على القنطرة لا يسمع إلا خرير الزواريق ،ولم ير إلا شقاوة القطط ،وقف ،فجأة تحوات القطة البيضاء إلى عروس جميلة كفلقة القمر ،قبلته قبلة طويلة سلبته العقل .}

يضمنى ،أغادره إلى حيثما أتيت وفى يدى حفنة زلط ،ينده على ،لا أعيره أذنى ،أقابل العجوز ، لا أجرؤ على رميه بالطوب ،أنحرف مبتعداَ ،يشده أبى بقوة ،يقعده جواره ،يبادر أبى بالقول :

-أمسكت بشيطان وضربته .

يسأل أبى كاظماَ غيظه :

- ماذا فعل لك ؟

ينكمش فى هدومه ،تتعارك الأجوبة فى مخيلته ، يقول بصوت رائق :

- سرق فلوسى وباع أرضى لغريمى .

يسخر أبى :

- لا يعرفك .

يقضم الكلمات :

- بل تربى فى بيتى ؛أذاع جنونى ، سبك الحكايات ونهبنى ؛صار معلماَ كبيراَ فى سوق روض الفرج ،يسلط على المباحث ؛ لترسل لى العفاريت ؛يطاردوننى فى الصباح والمساء .

يصر أبى :

- ليس هو .

يدعك جبهته المتسخة ، يقطع بكلماته قرص الصمت :

- بل هم ــ كلهم ــ هو .

أتلصص محاذياَ المصطبة ،يلمحنى ، ينتفض وبيده نصف قالب طوب .

نيسان ـ نشر في 2016-04-01 الساعة 16:05

الكلمات الأكثر بحثاً