اتصل بنا
 

الدخان كدالّة على وجود النار

نيسان ـ نشر في 2016-04-02 الساعة 12:34

x
نيسان ـ

محمد قبيلات

"المفصرد" هو رجل يقول ما يتخيل، وما يخطر على باله، وكل ما يُفكر به، ثم ينسى ما يقول، ولا يصعب عليه التراجع عمّا صدر منه من أقوال، وهو رجل ينفخُ في الكير ليخرج الدخان، معلنا عن وجود النار، فيلحق بالدخان و" يتنطنط" قافزا هنا وهناك، في محاولات لبلع الدخان على سبيل الإخفاء، وفي إطار لَحْس الكلام.

يقضي عمره في معركته الوجودية، فهو قصير بين أطراف طويلة تتزاحم، وما أن ينفرد به طرف من تلك الأطراف حتى يتطوع بالكلام الذي يعجبه، وما أن ينتقل إلى الأطراف الأخرى حتى تراه ينساق في أحاديث ممالئة لهم، وهكذا، إلى أن ينكشف أمره، فيلجأ إلى نفي كل ما قال.

لم يقل الاردنيون إذ اطلقوا المفردة انها تتعلق بمسؤول ما. لم يقل الاردنيون ذلك على الاطلاق.

و"المفصرد" اسم عامي يٌستخدم في اللغة المحكية الدارجة، للتدليل على الشخص المعتوه الذي أكل دماغه السّفَه، فهو رجل يقول ما لا يعلم، برغم انه يعلم أنه لا يعلم، لكنه يدّعي على أية حال.

يُمسك بزمام المبادرات برغم أنه ليس مبادرا، لكن أطرافا تستكريه لأداء دور ما، فيصدع لأوامرها، ويا ليته يقف عند هذا الحد، أو يلتزمه، لكنه معروض في السوق لتنفيذ مقاولات من الباطن، فتستأجره أطراف أخرى ليمارس أدوارا جديدة تعاكس أدواره القديمة، وعندما تضيّق عليه الأطراف المانحة له أدواره يقع في حيص بيص، فيتنصل من أدواره السابقة واللاحقة، ويظهر على حقيقته كـ"مضيِّع".

والمُضِيع هو الذي أضاع صوابه، وغرق في أخطاء ليس لها أول ولا آخر، فتدخل عنده القصص في بعضها بعضا، ويحكي كلاما غير مفهوم للسامعين، ويجاري من لا يُجارى، بينما يناطح من يجب أن يجارى.

وعن سابق قصد يُدخل نفسه في متاهات تؤدي به إلى التباسات تُضيع المقاصد فيضيّع الأول والتالي.

حدث أن نزل في واد بعيد عن القرية فأشعل نارا، وعندما عاد في المساء سألوه في إطار سواليف القرايا إن كان هو الذي أشعل النار في الوادي، فنفى، لكنه استدرك أمام العيون المحدقة به من كل صوب وقال: أنا فقط أطلقت العنان للدخان... فقال له حكيم القرية : يا بني ليس من دخان يتخلق من ذاته ويصعد إلى عنان السماء.. لا دخان إلا من ورائه نار.

نيسان ـ نشر في 2016-04-02 الساعة 12:34

الكلمات الأكثر بحثاً