اتصل بنا
 

أفول القوة الناعمة يجعل (الهلال الشيعي) محاقاً!!

باحث سوري

نيسان ـ نشر في 2016-04-03 الساعة 11:47

نيسان ـ

تتمثل مصادر القوة الناعمة الإيرانية بثلاثة عناصر أساسية، هي: لثقافة، وتضم: اللغة الفارسية، والتقاليد الإيرانية، والتشيع. والقيم السياسية، وتضم: الديمقراطية، والانتخابات، وحقوق المرأة والمجتمع المدني. والسياسات الخارجية، وتضم: الشرعية، والبرستيج، والعلاقات العامة.

وللقوة الناعمة الإيرانية أدوات ثقافية ودينية وإعلامية، تتوافق مع أدوات السياسة الخارجية المتمثلة في: التشيع السياسي والخطاب "الثوري" المعادي لأميركا والغرب، والمناصر للقضية الفلسطينية.

وتتلخص مهمة السياسة الخارجية الإيرانية في تنفيذ أهداف استراتيجية أعلنتها إيران في العام2005، من خلال وثيقة تُعرف باسم "الاستراتيجية الإيرانية العشرينية" (2005-2025)، أو الخطة الإيرانية العشرينية "إيران: 2025". وهي تُعتبر "أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني"، تضع التصورات المستقبلية للدور الإيراني خلال عشرين عامًا، وتهدف إلى تحويل البلاد إلى نواة مركزية لهيمنة تعددية داخلية في منطقة جنوب غرب آسيا (أي المنطقة العربية تحديدًا التي تشمل شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام وسيناء).

واعطت الوثيقة أهمية قصوى للمنطقة المحيطة بإيران والتي تضم خمسة نظم تحتية، هي: شبه القارة، والشرق الأوسط العربي، والخليج العربي، والقوقاز، وآسيا الوسطى.

وثمة من يعد هذه الوثيقة تلخيصاً لما يسمى مشروع "حوزة إيران الحضارية" أو "إيران الكبرى"، والتي تشمل المنطقة الواقعة على حدود الصين شرقًا والمحيط الهندي جنوبًا والخليج العربي غربًا والقوقاز والبحر المتوسط شمالاً.

ومثل مشروع "الهلال الشيعي" حجر الزاوية في عملية إعادة تجسيد حلم الامبراطورية الفارسية أو الشاهنشاهية استناداً إلى وجود حاضنة من الأقليات الشيعية المنتشرة جغرافياً بنسب مئوية مختلفة في عدد من البلدان. حيث يشكل الشيعة نسبة (20-25% ) في الكويت، ونسبة (15%) في سوريا، ونسبة (10-15% ) في كل من: أفغانستان وباكستان، ونسبة (4%) في المملكة العربية السعودية وتركيا ونسبة ( 5-10% ) في سلطنة عمان، ونسبة ( 10%) في كل من الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر.

وثمة أربعة دول فحسب ذات أغلبية شيعية كبيرة، وهي: إيران (90-95%)، والبحرين (65-75%)، وأذربيجان (65-75%)، والعراق(65-70%) . بينما تقدر نسبة الشيعة في لبنان بنسبة (40%) وفي اليمن بنسبة (35-40%).

إجمالاً، يشكّل الشيعة في العالم باختلاف فرقهم ما بين 7,6% إلى 13% كحد أقصى من مجموع المسلمين أجمعين الذين يقدر عددهم بنحو مليار ونصف المليار نسمة. وينقسم الشيعة لمجموعة من الطوائف الفرعية كالإثنا عشرية أو الامامية والإسماعيلية، والزيدية، ذات خلفيات جغرافية ولغوية وسياسية وأيديولوجية مختلفة.

"كومنترن مذهبي"

بخلاف الهدف المفترض للقوة الناعمة المتمثل في تجسير الفجوات وتسوية الخلافات المذهبية والطائفية، جرت عملية تجييش وعسكرة الأقليات الشيعية. وهذا ما حدث في سورية عبر استجلاب وتأسيس عدد من المليشيات الموالية لإيران والتي تتكون على أساس الجنسية من الميليشيات التالية التي تتخذ أسماء الوية وفيالق وكتائب وسرايا، وتسعى لقتال "الجيش السفياني" و"أحفاد معاوية" :

الميليشيات الايرانية: تتمثل ب"فيلق القدس" التابع للحرس الثوري بقيادة الجنرال قاسم سليماني، و"الباسيج"، وتعني بالعربية قوات "التعبئة الشعبية" وهي ميليشيات شبه عسكرية تتكون من متطوعين مدنيين.

وهناك ميلشيا لبنانية تتمثل ب" حزب الله"، وميلشيا سورية تدعى "حزب الله السوري" و"صقور الصحراء" و "المقاومة العقائدية".

وتتواجد الميليشيات العراقية التالية: لواء "أبو الفضل العباس" ، و"لواء أسد الله الغالب"، فوج التدخل السريع، ولواء "الرضا" ، و"كتائب حزب الله» العراق، وكتائب سيد الشهداء ، ولواء ذو الفقار، وحركة النجباء وأذرعها العسكرية: "لواء عمار بن ياسر"، و"لواء الحسن المجتبى". ولواء "كفيل زينب"، ولواء "الإمام حسين"، ولواء "المؤمل"، ولواء رقية الجعفري، لواء "الإمام المهدي"، ولواء صابرين، و"عصائب أهل الحق"، وكتائب الإمام علي، وفيلق الوعد الصادق، وسرايا طلائع الخرساني، وقوات الشهيد محمد باقر الصدر الجناح العسكري لمنظمة "بدر". ويضاف إليهم فصيل "بابليون"، وهو أول فصيل عراقي مسيحي في سوريا يتلقى الدعم العسكري من الحكومة العراقية، وبإشراف إيراني.

وتتمثل الميليشيات اليمنية بحركة "أنصار الله" المعروفة باسم "الحوثيين". اما الميليشيات الأفغانية والباكستانية فتتمثل ب لواء "الزينبيون" و لواء "الفاطميون" ولواء خدام العقيلة.

وحسب الولاء الديني المذهبي والطائفي كانت غالبية هذه الميليشيات شيعية استندت إلى حجج الدفاع عن المراقد الشيعية وفي مقدمها مقام "السيدة زينب". وضمت من يسمون المتشيعين الجدد، من السنة، والعلويين، والإسماعيليين.

ومثل البعد الطائفي أحد أهم أسباب تطوع الأفراد في هذه الميليشيات، بالإضافة إلى المصلحة الشخصية التي تتضمن الحصول على المال، وبعض الميزات الأخرى. وعلى سبيل المثال يتم اغراء الأفغان والباكستانيين للقتال في سوريا بالمال والإقامات.

ويعد توفر عنصر الإكراه في عموم ظواهر العمل الميليشياوي، في بلدان مختلفة من العالم، وبغض النظر عن أيديولوجيته وذرائعه، مؤشراً أولياً على ضعف استمراريته لحقبة طويلة من الزمن. كما أن الدافع المادي المصلحي لأعضاء الميليشيات يضعهم في منزلة المرتزقة أو القتلة المأجورين الذين يتم التخلي عنهم عندما تنتفي الحاجة لخدماتهم. ولذلك ستواجه الظاهرة الميليشياوية الايرانية المصير المحتوم الذي واجهته ظواهر سابقة في بلدان فرض فيها منطق وقانون الدولة العصرية المدنية.

الفشل المتدرج

لقياس درجة نجاح أو فشل القوة الناعمة لبلد ما ثمة مؤشرات رئيسة، تأتي في مقدمها استطلاعات الرأي ,وترجع أول محاولة لقياس القوة الناعمة عبر مؤشر مركب كانت من قبل "معهد الحكم" في بريطانيا، واستندت إلى قائمة واسعة من الحسابات الإحصائية المرتبطة بمصادر القوة الناعمة لـ26 دولة. وقد تم تنظيم الإحصائيات وفق خمسة مؤشرات فرعية تستند إلى: الثقافة، والدبلوماسية، والتعليم، والأعمال/الابتكار.

وقد فشلت إيران في أن تضع نفسها في أي تصنيف للقوة الناعمة على الإطلاق. ولعل السبب في ذلك يعود إلى محدودية فعالية وتأثير القوة الناعمة الإيرانية في الإطار الجيوبوليتيكي سببتها عدة معطيات، أبرزها:

فشل إيران في تقديم نموذج اقتصادي يكون مصدرًا للقوة الناعمة فلا هي قدمت نموذجًا اقتصاديًا كما فعلت الصين، ولا هي قدمت قصة نجاح اقتصادي كما فعلت تركيا، واعتمدت على المال السهل كدولة ريعية لاستخدامه كأداة مولدة للقوة الناعمة.

والفشل في بناء نموذج سياسي جاذب يعمل على توليد القوة الناعمة، ولم يجد أي نوع من أنواع التعاطف، ولم يستطع أن يروج لإيجابياته كما هو الحال بالنسبة إلى تركيا.

وتعد الديمقراطية الإيرانية هي ديمقراطية شكلية واقعها ثيوقراطي ومضمونها ديكتاتوري على اعتبار أن المرشد الأعلى يمتلك صلاحيات تفوق تلك التي يمتلكها أي سلطوي في العالم. إضافة إلى وجود مشاكل هائلة في موضوع الحريات والشفافية، فأقلية مثل الأقلية السنية والتي تشكّل ما بين 9% إلى 20% على الأقل من سكان إيران لا يحق لها الوصول إلى أي منصب تنفيذي رفيع.

ولا يُعد العنصر الثقافي الفارسي سواء المتعلق باللغة أو الحضارة عامل جذب أو تأثير واسع بالمعنى العام المطلق؛ إذ إن تأثيره محدود ومرتبط بشكل مباشر بمنطقة آسيا الوسطى.

ويعد مبدأ ولاية الفقيه، عاملاً معرقلاً لهدفها في قيادة المنطقة إذ أنه يلعب دورًا سلبيًا في تعميق عزلة إيران الإقليمية خاصة عندما تعمد إيران إلى الاعتماد على العامل الطائفي لحشد الأقليات الشيعية في المنطقة.

وأظهر استطلاع أجراه معهد تيسيف في العالم العربي ونشر نتائجه في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أن إيران تأتي على قمة هرم الدول التي يعتقدون أنها تتبع سياسة طائفية.

وأوضح المؤشر العربي لعام 2015، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2015، والذي أجري في 12 دولة عربية على عينة بلغت 20 ألف شخص، أن النظرة السلبية والعدائية لإيران في الدول العربية تتصاعد بشكل ملحوظ، حيث أشارت نتائج المؤشر إلى أن 62% من المستطلعة آراؤهم في الـ 12 دولة التي شملها المؤشر يعتبرون السياسات الإيرانية سلبية، مقابل 28% قالوا إنها إيجابية.

وفي استطلاع آخر أجراه مركز الجزيرة للدراسات، تحت عنوان «إيران في ميزان النخبة العربية»، ونشرت نتائجه على موقع المركز في 18 كانون الثاني/يناير 2016، وشمل 21 دولة عربية، أظهرت النتائج أن النخبة في الدول العربية تقيم الدور الإيراني في المنطقة العربية بشكل سلبي، وتنظر بتشاؤم إلى مستقبل العلاقات العربية- الإيرانية. وكشفت نتائج الاستطلاع أن الغالبية الساحقة من عينة الاستطلاع قد اعتبرت أن نموذج السلطة والحكم في إيران لا يمكن الاحتذاء به وذلك بنسبة 92%، مقابل نسبة 6% اعتبرته كذلك، وأن السياسة التي انتهجتها إيران تجاه دول الثورات العربية قد فرضت تأثيرًا سلبيًا على صورتها لدى النخبة العربية، حيث اعتبر 82% من المستجيبين أن صورة إيران قد أصبحت أسوأ مما كانت عليه قبل الثورات العربية، مقابل 6% يعتقدون أن صورتها أصبحت أفضل، و10% أبقوا صورتها كما كانت عليه.

ووفق هذه المعطيات يرجح انحسار المد الشيعي بنسخته الإيرانية، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه لجهة قدرة الولايات المتحدة الأميركية، على منع أو احتواء صعود قوة إقليمية مهيمنة وذات نفوذ في الشرق الأوسط عبر صفقة تجرد تلك القوة الإقليمية من استخدام القوة الخشنة أو الناعمة لبسط نفوذها. وهذا ما حدث مع مصر، حيث جردتها اتفاقيات كامب ديفيد من أي دور إقليمي فاعل. ويحدث حالياً مع إيران في أعقاب الاتفاق النووي الذي يدخلها في طور العزلة الإقليمية.

نيسان ـ نشر في 2016-04-03 الساعة 11:47

الكلمات الأكثر بحثاً