اتصل بنا
 

أوراق بنما.. المسكوت عنه فى الإعلام العربى

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-04-07 الساعة 12:06

نيسان ـ

لأن حرية تداول المعلومات والتعبير عن الرأى تتناقض مع كل قيد يفرض عليها مهما كان محدودا وتتعارض مع كل انتقاص يطالها مهما جاء ضئيلا، تنعدم مصداقية التعامل معها بمعايير مزدوجة وسرعان ما تبدو سوءات المتشدقين بها.

بعض وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية والممولة خليجيا (إن حكوميا أو من مصالح خاصة) تتناول اليوم فى تقاريرها وأخبارها «أوراق بنما»، فتشير إلى شبهات التورط فى الفساد التى تحيط بالديكتاتور السورى بشار الأسد والرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح والرئيس الإيرانى السابق أحمدى نجاد. غير أن نفس وسائل الإعلام تتجاهل التعاطى مع شبهات الفساد التى تحاصر بها الوثائق المسربة لمكتب المحاماة البنمى «موساك فونسيكا» الأسر الحاكمة فى السعودية والإمارات وقطر، على الرغم من تماثلها مع الوثائق المتعلقة بمن يصنفهم الخليج فى خانات الأعداء الإقليميين.

بل إن بعض الإعلاميين والصحفيين والكتاب من عموم بلاد العرب الذين يعملون فى القنوات التليفزيونية والصحف الممولة خليجيا، ويدعون الدفاع عن حق شعوبهم وحق جميع الشعوب العربية فى الديمقراطية وسيادة القانون وتداول السلطة والحكم الرشيد ومكافحة الفساد، يطبقون قواعد «المسكوت عنه» على شبهات فساد حكام الخليج بينما يبادرون إلى التعليق على تورط مسئولى بلادهم السابقين والحاليين. ولا يختلف التحايل على حرية التعبير عن الرأى هنا عن التحايل اليومى لنفس الإعلاميين والصحفيين والكتاب الذين يتناولون انتهاكات حقوق الإنسان والمظالم التى تشهدها بلادهم بينما يصمتون عن تراكم ذات الانتهاكات فى بلدان «الممولين» الخليجية.

بمعايير مزدوجة أيضا، تتعاطى بعض وسائل الإعلام العامة والخاصة فى مصر مع الوثائق البنمية. الإشارات المتواترة عن شبهات تورط عائلة الرئيس الأسبق مبارك فى الفساد التى تحملها الوثائق يقابلها الصمت عن الشبهات المماثلة المتعلقة تارة بمسئولين مصريين حاليين، وتارة أخرى بحكام الخليج أصحاب النفوذ المالى الواسع (عبر حكوماتهم وعبر المصالح الخاصة) فى السوق الإعلامية المصرية.

بل إن تحويل شبهات فساد إلى «مسكوت عنه» يمتد فى وسائل الإعلام العامة فى مصر إلى الحليف الروسى، فلا ينشر سوى عدد محدود من التقارير التى تتناول بالتحليل تورط الدائرة المقربة من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى التهرب الضريبى وغسيل الأموال وتأسيس الشركات التجارية الوهمية. فالحليف الروسى «ينزه» بفعلى التجاهل والصمت عن الفساد، بينما يتصاعد التركيز على شبهات فساد بعض المسئولين المنتخبين فى البلدان الديمقراطية كرئيس وزراء أيسلندا ورئيس الأرجنتين لتعزيز الاعتقاد الزائف بكون الديمقراطيات «لا تقل فسادا أو عصفا بسيادة القانون» عن النظم الاستبدادية والسلطوية. وعندما يجبر رئيس وزراء أيسلنذا على الاستقالة فى تعبير سريع ومباشر عن جدية إجراءات الرقابة والمساءلة والمحاسبة للمنتخبين، تصمت وسائل الإعلام العامة مجددا.

يتحايل الإعلام العام والخاص فى بلاد العرب، ويذبح حرية تداول المعلومات والتعبير عن الرأى تواطؤا مع حقائق الاستبداد والثروة. الجيد هو أننا لم نعد أسرى لمثل هذا الفضاء الإعلامى المشوه ولمساحات المسكوت عنه التى تخترقه.

الحياة

نيسان ـ نشر في 2016-04-07 الساعة 12:06

الكلمات الأكثر بحثاً