اتصل بنا
 

(جسر) بين مشرق العرب ومغربهم 

نيسان ـ نشر في 2016-04-12 الساعة 13:59

x
نيسان ـ

محمد قبيلات

لا يمكن فهم مستقبل مشروع الجسر السعودي – المصري وتداعياته على المنطقة، بمعزل عن المواجهة الدائرة اليوم بين التيارين السني، بقيادة السعودية والشيعي بزعامة إيران، بما تمثله من مخاطر على الخليج العربي، فضلا عن تداعياته على خط أنابيب نقل النفط المنطلق من إيلات إلى عسقلان.

لكن ليس هذا كل شيء؛ فالجسر يحمل من المعاني ما يجب الوقوف عنده مطولا، أهمها أن المنطقة ترسم من جديد، لكن ليس فقط وفق أقلام رصاص المستعمرين فقط، بل إن أهل المنطقة يخططون أيضا ويصنعون شيئا. وهذا مهم.

جذور المشروع

تعود جذور المشروع الطموح كفكرة، إلى خمسينيات القرن الماضي، غير انه أخذ بالتشكل جديا عام 1988 بين الملك السعودي الراحل فهد والرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. وحينها اتفقا مبدئيا عليه في انتظار إزاحة العوائق.

"عوائق" كثيرة، رافقت المشروع، ليس أولها ما ظهر من مواقف الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك اللاحقة من الفكرة، حيث بدا انه معارض لها، حتى بعد حادثة غرق عبارة الركاب المصرية، التي راح ضحيتها المئات من المواطنين المصريين.

جسر العرب، هي التسمية التي كانت تُطلق على مشروع الجسر السعودي – المصري، الذي أصبح اسمه منذ أيام قليلة جسر الملك سلمان، تكريما من الرئيس المصري لزائره الملك، في القاهرة الأسبوع الفائت.

في حينه كان يقف مبارك إزاء "عائق" أن الجسر عندما ينزل في شرم الشيخ السياحية سيؤثر في طبيعتها الهادئة، وينفي عنها أهم ميزاتها الجاذبة للسياحة، والتي كانت تُعد حتى وقت قريب من أهم مدرات الدخل على الاقتصاد المصري، إذ بلغ دخلها السنوي نحو سبعة مليارات دولار أمريكي.

لكن هناك من لم تقنعهم هذه الحجة، فهم لا يجدون أية غضاضة في المشروع، ويمكن للجسر أن ينحرف قليلا عن المدينة. و"قليلا" تعني مسافة كافية، للحفاظ على ما يميزها من هدوء، خصوصا أن طول الجسر (50 كم)، ولن يؤثر في مساره مثل هذا الانحراف.

المؤيدون يدعّمون وجهة نظرهم بالقول: إن المشروع قد يجلب إلى الدخل القومي ما يزيد عما يجلبه شرم الشيخ، مع العلم أنه لا يلغيه بل يضيف إليه، ناهيك عن أنه سيدعمها بسياحة خليجية ضخمة.

ماذا عن إسرائيل

إسرائيل التي ترى أن مستقبل المنطقة سيقوم على المال والطاقة الخليجية من جهة، والأيدي العاملة المصرية من جهة أخرى، والعقل الإسرائيلي كمدير لهذه الطاقات، لن يعجبه "الجسر"، فما بالك إذا كان سيضر بآمالها المعلقة على خط أنابيب نقل النفط المنطلق من إيلات إلى عسقلان.

لكن الحال اليوم غير الحال البارحة، فالدول الخليجية لم تعد دولا تدور في فلك الغرب فقط، وتحركها مراكز القرار الغربية المتعاطفة مع إسرائيل، فبعد الانسحاب الأمريكي من الانخراط المباشر في ملفات الإقليم، وبعد تقدم المصالح الاقتصادية على المصالح السياسية والأمنية لدول المنطقة، اختلف شكل الصراع، وربما تعدلت موازين القوى.

من الناحية القانونية، تنصلت مصر بشكل مسبق من أية تبعات، وذلك بتنازلها عن جزر تيران وصنافر للسعودية. والسعودية لا تلزمها معاهدة كامب ديفيد المبرمة بين الكيان الإسرائيلي ومصر، هذا إضافة إلى أن تصميم المشروع يراعي حرية الملاحة حيث أن الجسر سيتحول إلى نفق يمر من تحت البحر بعد جزيرة تيران.

كما أن حوار المصالح يختلف عن أي حوار آخر، ويمكن هنا أن يُحل الأمر من خلال بعض الترتيبات التي قد تُرضي الأطراف المتضررة من إقامة المشروع.

يمكن تعويض الأردن

من سيئات المصادفات أن آثار الجسر الواقعة على إيلات هي نفسها الواقعة على العقبة، لكن المملكة الأردنية تهمها المصالح العربية، وفي حال عاد هذا المشروع بالخير على مصر والسعودية، فإن المحصلة النهائية ستكون بشكل أو بآخر في صالح الأردن، لكن لا بد من مراعاة الظروف الأردنية وخصوصيتها من قبل المملكة العربية السعودية، حيث يمكن تعويض الأردن بتوسيع منفذه على البحر الأحمر.

ولا بد من أن يعطى الأردن ضمانات تخص مرور البواخر، وعدم عرقلة مشروع خط الأنابيب العراقي، وأن توفي السعودية والدول الخليجية بما تقدمه من منح مالية تدعم الموازنة المثقلة بالعجز الناتج عن تعطل الممرات وتوافد اللاجئين، وأن تراعى النشاطات الحيوية الأردنية الأخرى في المياه الدولية مثل؛ الصيد وقضايا البيئة وغيرها، كما لا بد أن يُشرك الأردن في أية ترتيبات لإدارة مضائق تيران.

الجسر ليس جسرا

لا تنبع أهمية المشروع من كونه طريقا سريعا لنقل الركاب والحجاج والسياح فقط، فالفكرة برمتها مبنية على رد تاريخي على فصل مشرق الوطن العربي عن مغربه، والتي تمت من خلال إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين.

والأهم أن الرؤية الإسرائيلية التي ابتدعها شيمون بيرس ستتحقق، لكن من دون إدارة العقل الإسرائيلي، حيث سيلتقي المال والنفط العربي مع القوى العاملة المصرية والإفريقية، مضافا إليها فتح باب الاستثمار في أفريقيا باتجاهين، حيث ستجد المواد الخام الأفريقية طريقها إلى الخليج العربي، الذي ليس أسرع من أن تقام فيه صناعات كبيرة.

الجسر ليس جسرا تقليديا حسب ما نسمع من مخططات وطموحات، وما نعرفه من توفر للإمكانات، فهو يشكل ممرا للسيارات والشاحنات وكذلك القطارات، كما أن في بطنه أنابيب غاز ونفط ستتجه إلى المتوسط، وعلى ظهره خطوط للكهرباء.

لا تخفى أهمية المشروع على المتابعين، فمن المعروف أن السياسة تسيل وتسير حيث تسير الممرات والطرق، وهذا الممر يشكل اختراقا جيوسياسيا كبيرا، فطالما نادى العرب بالوحدة، او بإقامة اتحاد على غرار الإتحاد الاوروبي.

لكن تأخرت تلبية هذه المطالب، لأن بعض الدول لم يكن مقتنعة بالجدوى التي ستتحقق من هكذا اتحادات، خصوصا أن الدول العربية الغنية ظلت طوال السنوات الماضية معتمدة على عائدات مبيعات النفط، فما الذي يجبر دولة مثل قطر، دخل الفرد السنوي فيها يبلغ نحو مئة ألف دولار إلى الاتحاد مع دولة مثل السودان التي لا يتجاوز دخل الفرد فيها عدة مئات من الدولارات؟.

مصالح متبادلة بدلا من منح وعطايا

تعوّدنا في الدول العربية غير المنتجة للنفط أن نكون مستقبلين لعطايا ومنح من الدول العربية النفطية، وربما أعجب العرب الأغنياء هذا السلوك وأغواهم الإحساس بالكرم، لكن الريح لا تسير دوما وفق مخططات السفن، فبجزء قليل مما دفعته وتدفعه السعودية اليوم، كتكاليف لعاصفة الحزم، كان يمكن أن تتحقق تنمية كبيرة في اليمن، ينتج عنها استقرار النظام السياسي، ويجنب المنطقة ما ينتج عن الحرب من خسائر واستقطابات وتدخلات أجنبية.

يمنحوهم الفأس بدلا من الحطب

المشاكل الاقتصادية في الدول الفقيرة لا تنتهي بتقديم الدعم والمنح، بل بتأهيل اقتصادياتها وبإشراكها في الدورة الإقتصادية في الإقليم والعالم، من خلال استغلال امكاناتها ومواردها البشرية وممراتها، وببناء تنمية حقيقية مستدامة فيها.

يتطلب ذلك إحداث تطور في فلسفة أنظمة الحكم وطريقتها في الإدارة، بحيث يصبح هناك إعادة أكثر عدلا لتوزيع الثروة، ومراعاة للخصوصيات، لكل فئات ومكونات المجتمعات، وهذا لا يخص الدول العربية الفقيرة بل يشمل الغنية منها أيضا.

وغير ردود الفعل الإسرائيلية، هناك ما يؤشر إلى أهمية المشروع، حيث بادرت إيران فور سماعها أخبار الجسر العربي، بالبدء بمباحثات مع روسيا لبناء جسر بحر قزوين.

ألم نقل أن المنطقة لا ترسم من جديد وفق أقلام رصاص المستعمرين فقط. فأهل المنطقة يخططون أيضا ويصنعون شيئا.

نيسان ـ نشر في 2016-04-12 الساعة 13:59

الكلمات الأكثر بحثاً