اتصل بنا
 

جوبلز الذى لا يموت

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-04-12 الساعة 17:48

نيسان ـ

جوبلز كان المسئول عن البروباجاندا ــ الدعاية وتزييف الوعى ــ للحكم النازى فى ألمانيا بين ١٩٣٣ و١٩٤٥. واستخدم جميع الأدوات المتاحة آنذاك، من صحف وإذاعة ونشرات سينمائية وأفلام روائية والمناهج الدراسية والجامعية وغيرها، للترويج لعبادة الفرد (القائد) ولسمو الجنس الآرى وللعداء للسامية ولحتمية إبادة اليهود. وبالقطع، لم يسمح النازيون بتعدد الأفكار أو الآراء أو التفضيلات. بل قمعوا التنوع، وجرموا التداول الحر للمعلومات، وتعاطوا مع الألمان كقطيع يساق إلى حيث يراد له.

وكانت النهاية ملايين القتلى والجرحى فى أوروبا والعالم، ودمار شامل لألمانيا التى احتلت وقسمت.

تخلصت البشرية من إجرام النازيين فى ١٩٤٥، وآل الحكم فى الجزء الشرقى من ألمانيا إلى الحزب الشيوعى الذى سانده الاتحاد السوفييتى السابق. زال النازى، غير أن أدوات جوبلز (انتحر هو وزوجته مع هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية، وقتلت زوجته أطفالهما قبل الانتحار) تواصل استخدامها. روج حكام ألمانيا الشرقية لعبادة الحزب الشيوعى ولسمو الإيديولوجية الماركسيةــاللينينية التى قاد تطبيقاتها الاتحاد السوفييتى وللعداء للإمبريالية الإمريكية ولحتمية النصر النهائى على المعسكر الغربى. وبالقطع، قمع الشيوعيون التنوع فى الفكر والرأى والفن باسم التقدمية، وفرضوا قناعات الحكام كحقائق مطلقة لا تقبل لا الاختلاف ولا مجرد الجدل. تعامل الشيوعيون مع الناس كقطيع عرف كطبقات عاملة ومنتجة، وحددت سلفا مطالب الشعب وأهدافه وأحلامه، وشرعن لاضطهاد المختلفين الذين صنفوا كخونة أو متآمرين أو عملاء أو مارقين.

وكانت النهاية الهروب الجماعى «للقطيع» وانهيار ألمانيا الشرقية وزوال الاتحاد السوفييتى واستمرار المعسكر الغربى إلى اليوم.

انهارت ألمانيا الشرقية، وانتهى حكم الحزب الشيوعى الألمانى الذى فرض الماركسية ــ اللينينية كإيديولوجية والتقدمية كبرنامج بين ١٩٨٩ و١٩٩٠. إلا أن محاولات فرض الرأى الواحد وسوق الناس كقطيع انتقلت من الشيوعيين إلى الحركات العنصرية والمتطرفة التى استبدلت العداء للإمبريالية بالعداء للأجانب، وكراهية الولايات المتحدة الأمريكية بكراهية غير الأوروبيين، وحتمية النصر النهائى للشيوعية بحتمية «تطهير» أوروبا من المهاجرين واللاجئين وغير الأوروبيين ــ كل ذلك، على الرغم من حقائق التنوع العرقى والتعايش بين الثقافات فى أوروبا. خلال السنوات الماضية، وجدت الحركات العنصرية والمتطرفة ضالتها فى الكثير من مواطنى ألمانيا الشرقية السابقة. اعتيادهم على استمرارية الرأى الواحد وسيكولوجية القطيع من النازيين إلى الشيوعيين، مكنت لنشر العداء للأجانب والدعاية لمقولات الكراهية. ولم يغير من هذه الحقيقة المريرة اختلاف محتوى البروباجاندا من سمو الآريين وإبادة اليهود مرورا بالأوهام الشيوعية وصولا إلى المطالبة بطرد الأجانب. وتورط بعض مواطنى ألمانيا الشرقية السابقة فى تأييد النازى ثم فى الإيمان بقدسية الحزب الشيوعى أو فى مناصرة الأفكار التقدمية للشيوعيين ومن بينها رفض العنصرية والعداء للسامية ثم فى التورط فى الموبقتين وصنع بيئة مجتمعية معادية للأجانب.

والنتيجة اليوم هى ولايات ألمانية شرقية يجتاحها العنصريون والمتطرفون، ويرسخون لوجودهم المشين فى برلماناتها المنتخبة ديمقراطيا، ويشجعون على العنف والاعتداءات على الأجانب وأماكن إيواء اللاجئين، وينتجون خطابا للكراهية يشرعن لاستخدام السلاح لمنع اللاجئين من دخول الأراضى الألمانية.

مكارثية الرأى الواحد هذه تمثل كارثة أخلاقية وإنسانية ومجتمعية، لا فارق فى ذلك بين ألمانيا المتقدمة ومصر محدودة التقدم. شىء من الافتتان بالرأى الواحد ومن الاستسلام لسيكولوجية القطيع يجتاح مصر، لا فارق فى ذلك بين الأذرع الإعلامية للسلطوية الحاكمة ومن مكارثيى ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة ونزع المصداقية عن المختلفين معهم باسم الوطنية أو الثورة أو الديمقراطية.

الشروق

نيسان ـ نشر في 2016-04-12 الساعة 17:48

الكلمات الأكثر بحثاً