اتصل بنا
 

الربيع العربي القادم والنظام العالمي القائم وفرصة النظام العربي السانحة

كاتب أردني وخبير مياه

نيسان ـ نشر في 2016-04-19

نيسان ـ

لا يمكن أن تخطيء العين ما أصبح بمثابة مقدمات موجة قادمة قد تكون عنيفة من الربيع العربي أو ما سمي كذلك.

من المؤسف عدم استيعاب دروس الموجة الأولى ليس فقط من قبل الدول العربية بل من المجتمع الدولي بأسره......

لقد راهنت ولا تزال كثير من الدول العربية على أن واقع الدول العربية التي انخرطت شعوبها في الربيع العربي سوف يردع باقي الشعوب العربية ولكن القصة أعمق من ذلك بكثير.

ما أصبح لافتا أن شعوب الموجة الأولى من الربيع العربي هي من ستقود الموجة الثانية مستفيدة من دروس الموجة الأولى ولكن الدائرة ستتسع لتشمل دولا تعاني الاضطرابات من قبل الربيع العربي وربما تكون العراق هي المثال الأبرز في هذا السياق.

يبدو أن الرهان على القمع والاختباء خلف مقاومة الإرهاب كذريعة لاستمرار الوضع القائم لن تنفع.

الدوائر الغربية ترصد, النخب السياسية تحذر وأصحاب الشأن يبدو أنهم آخر من يعنيهم الأمر.

يحضرني هنا المنصف المرزوقي حين استحضر الحالة المتوقعة مبكرا جدا فعندما كان رئيسا للمرحلة الانتقالية في تونس وزار حينها الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي وجلس في إحدى الأمسيات أمام جمع كبير من النخب والمسؤولين والصحافيين ........ أخذ يحذر القائمين على الثورات المضادة في بلدان الربيع العربي وقال لهم إياكم أن تتوقعوا أن القائمين على الموجة الثانية من الربيع العربي سيكونون متسامحين مثلنا إن استمررتم بما تقومون به من محاولة لإرجاع عقارب الساعة الى الوراء.

وتأكيدا لنفس الرؤية وفي محاضرة له بجامعة بيل الأمريكية مؤخرا، قال الأمير هشام العلوي، ابن عم ملك المغرب، إن وضع العرب أسوأ الآن بشكل أكبر ممّا كان عليه الحال قبل 2011، وإن غالبية الدول العربية التي اجتاحتها حركات الربيع العربي "عادت إلى النظم الأوتوقراطية أو شهدت حروبا أهلية"، غير أن ذلك "لن يمنع من عودة الموجات الثورية بشكل أكثر قوة".

لعل ما قاله هشام علوي يختصر على الحاكم العربي قراءة الوضع القائم.... يقول الرجل باختصار أن الركون الى الوضع السيء الذي آلت إليه الأوضاع في بلدان الربيع العربي لن يمنع موجات ثورية أكثر عنفا.

ولعل أهم ما يعني المواطن العربي والحاكم العربي فيما قاله العلوي ليس الشأن السياسي بل ما وصل إليه الناس من ضنك الحياة بسبب الفقر والحاجة وهنا يقول الأمير: إن "الحكومات العربية واجهت خلال العقود الماضية عدة أشكال من مطالب لمشاركة أكبر للسكان، بسبب ظهور فئات واسعة من الشباب يرغبون بتحقيق ما عجز عنه آباؤهم، غير أن الحكومات انتظرت أن يحدث تطور اقتصادي يتيح بدائل للشباب، وهو ما لم يتحقق لأسباب كثيرة بسبب انتشار الفساد وتركز السلط في جهة واحدة".

أنا أعتقد أن العبارة أعلاه هي أخطر ما ورد في محاضرة الأمير لأنه ركزت على العامل الأبرز في تحريك الشارع العربي وهو الشأن الاقتصادي....

باختصار شديد يخرج الناس الى الشوارع في مختلف العواصم العربية ليس من أجل تحرير فلسطين أو تحقيق السيادة الوطنية...الناس الآن يخرجون في بغداد والقاهرة وغيرهما من العواصم والمدن العربية في الأعم الأغلب من أجل لقمة العيش وإذا انفجرت الأوضاع وخرجت عن السيطرة في هاتين العاصمتين فستلحقها عواصم عديدة حتما.

في معظم الدول العربية وحتى النفطية منها تعجز الحكومات عن توفير حياة كريمة لأبنائها في حين يتكشف يوما بعد يوم حجم الفساد المستشري وتتبين حقائق مهولة عن حجم الثروات المحشورة في زوايا هذا العالم والتي نهبت من ثروات شعوب هي في أمس الحاجة إليها.

مما يلفت الانتباه أيضا أن العجز لا يقتصر على الحكومات بل إن النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية أصبح مشوها الى درجة أن ثمن لاعب في نادي أوروبي أصبح كافيا لإطعام ربما ملايين من البشر في بلدان كثيرة حول هذا العالم.

الإنفاق العالمي على التسليح بلغ العام الفائت 2015 حوالي 1700 مليار دولار وهذه هي الأرقام المعلنة , هذا الرقم يشكل تقريبا ثلاثة أضعاف ميزانيات الدول العربية مجتمعة.

اللافت والصادم هنا أن هذا الرقم في الإنفاق العالمي على التسليح يعادل 100 ضعف مجموع ميزانيات الأمم المتحدة مجتمعة بما فيها الميزانية التشغيلية وميزانية عمليات حفظ السلام حول العالم .

إن ما ينفقه العاالم على التسليح لا يقتصر أثره على نقص السيولة في الإنفاق على التنمية بل إن ما يدمره السلاح الناتج عن هذا الإنفاق يدمر التنمية في معظم الدول النامية وفي القلب منها الدول العربية ويقضي على ملايين من فرص العمل.

يرافق كل هذا نفاق عالمي يمثله الأمين العام للأم المتحدة حين يعلن أن الوضع العالمي المالي الصعب هو الضاغط باتجاه تخفيض ميزانية منظمات الأمم المتحدة.

ذات الأمين العام يعلم أن أكثر من مليار طن من الغذاء يتم طرحها في حاويات النفايات سنويا وفي البحار ما يكفي لإطعام كل جوعى العالم.

وذات الأمين العام يعلم أن عشر الإنفاق العالمي على التسليح يكفي لحل كل مشاكل العالم.

في ظل هذه الأجواء أليس من الحصافة أن تستغل الدول العربية المستقرة الفرصة بدلا من التعنت ومعاندة التاريخ وحركة التاريخ لا تعاند بل تستغل.

هنا نظام عالمي قائم مفلس أخلاقيا وغني جدا تقنيا وتشكل فيه الدول العربية الغنية رقما صعبا ليس بما تمتلكه من ثروات اليوم بل بما يمكن أن تصنعه من ثروات غدا فتوظيف الاقتصاد الإسلامي على سبيل المثال سينهي الفقر في كل أرجاء العالم خلال عامين, إذن العرب والبشرية الآن في أمس الحاجة الى الإرث الحضاري العربي والإسلامي.

أما والحال كذلك فلا بد من معادلة يكون الكل فيها رابح قبل أن يصبح المستفيد من الوضع القائم أول الخاسرين في الوضع القادم سواء من العرب أو من غيرهم. فلا يسترخين قادة العرب كثيرا في هدوء ما قبل عاصفة هوجاء ولينصحوا شركاءهم الغربيين لأن حركة التاريخ لا تعاند.

أخيرا نسجل ظاهرة تستحق التوقف عندها طويلا رغم سوداوية المشهد العالمي وهو أنه يصل الى الحكم الآن في كثير من دول الغرب أو على الأقل الى تمثيل المعارضة في هذه الدول من يؤمن بقضايا العدالة والمساواة إيمانا حقيقيا وهؤلاء أو من على شاكلتهم من سيحكم العالم قريبا جدا بسبب الحاجة الماسة سواء في الشرق أو الغرب ونذكر من هؤلاء أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية ووقوفها الصلب في موضوع لاجئي سوريا وجاستن ترودو رئيس وزراء كندا وزعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين وهو من قاتل ضده شخصيات نافذة في المجتمع البريطاني حتى لا يصل الى زعامة حزب العمال بما يحمله من إيمان عميق بقيم العدالة الإنسانية ووجوب إعادة توزيع الثروة والأهم حاليا ما يحدث من ظاهرة مشجعة جدا في أمريكا نفسها من خلال منافس هياري كلينتون على تمثيل الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية القادمة وهو برني ساندرز والذي يدعو صراحة الى تحويل أمريكا الى ما يشبه النظم القائمة في الدول الاسكندنافية من عدالة في توزيع الثروة.

إذن مطالب تحقيق العدالة في هذا العالم لم تعد قضية الفقراء وحدهم بل أصبحت قضية أخلاقية تطغى على السطح ويتباناها من هم مرشحون للوصول الى الحكم في أكثر دول العالم حضورا وتأثيرا والأمل بأن لا يكون العرب آخر اللاحقين بهذا القطار وهم رواده منذ مجيء الإسلام.

نيسان ـ نشر في 2016-04-19

الكلمات الأكثر بحثاً