اتصل بنا
 

على الشاطئ

نيسان ـ حماد صبح (قصة) ـ نشر في 2016-04-26 الساعة 13:46

x
نيسان ـ

متفاوتون إعياءً تفاوت أعمارهم وأحمالهم والعمل الذي كان يؤديه بعضهم في المدينة . التفت خلفه . نفس المشهد قربه وقدامه . عشرات يسيرون متقاريين ومتباعدين . صخب الموج في الأصيل الشتوي يقتحم الأسماع . وغربا ، في خط الأفق ، تتلاحم السماء بغيومها الدكن مع البحر . أكثر السائرين يلازمون مقذف الموج لصلابة تربته قياسا بالجزء الجاف الذي تبتلع تربته أقدامهم . يبتعدون لحظة انقذاف الموج ، ويعودون حين يتراجع . رشاشه البارد يصيب بعضهم . كل سائر وحذره وسرعته في الابتعاد . بعض الصبيان والشبان أفادوا من الموقف ، المحنة ، وشغلوا عربات حمير وخيل لحمل من يرغب أو يتعب بأجر زهيد . انفلت غضب إلى نفس أبي مرزوق على زوجته الثانية ، فأسرع يصده . يكره أن يغضب على من تزوجها منذ سبعة شهور، وفي قلبه لها حب خالص حار . وبدل الغضب قارب أن يبتسم هازئا مستغربا . صدفة مقيتة جعلتها تكلفه الذهابَ إلى غزة ليشتري لها معجم " لسان العرب " اليوم دون سواه من الأيام . تسعة مجلدات . حمل ثقيل شيئا ما على إنسان في الثانية والخمسين ، وفي موقف مثل هذا الموقف البغيض . وحنق على إسرائيل . هي أصل البلاء والداء . تركز طاقاتها في ابتداع كل ما يحول حياتنا جهنم حمراء . لا ينجو من روحها الشريرة أصغر تفصيل في حياتنا حتى العودة إلى البيت . بين وقت وآخر ، تنطلق نصف مجنزرة وجيب من مستوطنة نيتساريم ، ويستقر الاثنان شرقي الطريق الساحلي ، ويمنعان السيارات من السير فيه ، فينجبر الناس ، خاصة العائدين من مدينة غزة على السير فوق الشاطىء أربعة كيلومترات ، وبعدها يصعدون الجرف إلى الطريق حيث تتجمع السيارات التي تسرع إلى المكان حالما يسمع سائقوها بإقامة الحاجز الإسرائيلي . لحق بامرأة تتعلق بيدها طفلة تبدو في الثالثة ، وتحمل طفلا . خايله شبه يقين أنها آمال التي درسها الرياضيات في الصف الحادي عشر . عباءتها تضعف تمييزه لها . علم في إجازة ذلك العام أنها تزوجت ، فأسف لزواجها المبكر . كانت نابغة حقيقية ، وأحب لها أن توالي دراستها في الجامعة . حاذاها ، ورمى نظرة خاطفة إلي وجهها . كيف يميز منقبة ؟! وبث صوتها في قلبه عبير جو ذكريات العام الذي درسها فيه حين سألت :

كيف حالك يا أستاذ ؟

رد بحنين فاجأته فورته : آمال ؟!

وأردف : الله يساعدك على حملك ! هاتي البنت !

ترددت ، فخجل ، وتجاهل خجله ، وقال : هاتي يا عم !

وحمل الطفلة . قالت خافتة النبرة : تزوجت مدرسة عربي ؟

فضحك ضحكة صغيرة الغم فيها أوضح من السرور ، وقال : هذه عقوبة زواجي . طلبت " لسان العرب " . حمل . لو في غير هذا اليوم !

ونظر إلى وجه الطفلة الذي أدهشه شبهه بوجه أمها في شقرته واستدارته ، وسأل : ما اسم بتنك ؟

ورمق الطفل مستلطفا ، وتابع : والقط الصغير هذا ؟

وانتبه إلى ترددها ، وأتته إجابتها : أحلام ، وجابر .

هزته الإجابة ، وفتحت نفسه لحظةً خاطفة على أفق مشرق بهيج ! سمت الولد باسمه . ماذا يعني هذا ؟! يعني أشياء كثيرة : الوفاء الكبير الصادق ، وقد يعني شيئا أوسع إبهاجا وإثارة ، وأدني إلى صبوات القلب . التسمية لا يمكن أن تكون صدفة عشوائية . اقتربا من آخر الشقاء ، من نقطة الصعود إلى الطريق . رآهما عند كاميرتهما المنصوبة على حاملها الثلاثي الأرجل ، صحفي وصحفية . هو خلف آلة التصوير ، وهي أمامها حاملة لاقط الصوت . قالت مبتسمة وعيناها على كيس الكتب البلاستيكي الذي نقشت عليه عليه بيانات المكتبة : لو سمحت يا حاج ، كلمة عن معاناتك بسبب الحاجز !

نظر إلى الصحفي ، ثم نظر إليها ، وبدا أنه يتذكر . قالت مضاعفة لطفها وتأدبها : لو تكرمت ! نأسف لزيادة تعبكم .

انبعث في باله ما قرأه عن ضابط إسرائيلي هرب من جبهة الجولان في حرب 1973 ، ولقيه في هربه عدد من الصحفيين الإسرائيليين والأجانب يسألونه عن أخبار القتال ‘ فصاح فيهم : غوروا من وجهي يا غربان الشؤم !

كان منهكا مرتاعا . أبو مرزوق منهك ، لكنه لا يمكن ، وهو المربي الكريم ، أن يخاطب الصحفيين الشابين بشبه ما خاطب به الضابط الإسرائيلي الصحفيين الإسرائيليين والأجانب في بداية تلك الحرب التحريرية التي جرفت فيها قوات الجيش العربي السوري القوات الإسرائيلية في الجولان جرفا عنيفا بعبارة تقرير لحلف الأطلسي عن الحرب . رفعت الذكري معنوية أبي مرزوق ، فتكلم واشتكى من التعب ، وشتم إسرائيل ، وأكد أن الشعب الفلسطيني سيصمد في وطنه مهما قست متاعبه ومصاعبه ، وأنه سيطرد شارون _الذي قال إن نيتساريم تشبه تل أبيب _ من نيتساريم وتل أبيب .

وبلغا مدخل الصعود ، فسأل آمال : كيف حال أبي جابر ؟ إن شاء الله له شغلة !

فردت بصوت حزين أدنى إلى التنهيدة : استشهد في اقتحام نيتساريم السنة الفائتة !

شردت روح أبي مرزوق في دنيا حزن وحلم . هل يتزوجها ؟! حلم بعيد من ناحيته ربما أكثر من ناحيتها . وتذكر المشكلات والمتاعب التي فجرتها زوجته الأولى عند زواجه الثاني . الآن لديه مفجرتان . وارتاح للحنان الأبوي الصادق الذي انبث في نفسه نحو آمال وهي تركب السيارة التي ركب غيرها

نيسان ـ حماد صبح (قصة) ـ نشر في 2016-04-26 الساعة 13:46

الكلمات الأكثر بحثاً