اتصل بنا
 

التعايش وأخلاقيات الصحافة في زمن التضليل

نيسان ـ نشر في 2016-05-03 الساعة 12:27

تأثير الحروب والنزاعات على الحقيقة والتضليل الإعلامي في زمن التكنولوجيا المتقدمة
نيسان ـ

يقال إن الحقيقة هي أولى ضحايا الحروب والنزاعات حيث يتساوى المقتول مع القاتل إلى أن يخرج من بينهما منتصر يفرض شروطه في التسوية ويكتب التاريخ من وجهة نظره. هذه ببساطة وجهة نظر تغفل ما تقتضيه التسويات من تنازلات متبادلة، لكنها أيضاً وفي المقام الأول، تغفل حقيقة أن أحداً لا يذهب إلى الحرب من أجل الحرب بل لهدف معين وضع له خططاً وسيناريوات مرسومة مسبقاً، متسلحاً بالبأس والاقتدار. لذا لطالما كان الطرف الأقوى هو البادئ في الحرب وبالتالي فهو المعتدي في حين يكون الأقل قدرة، في موقف دفاعي، ولو تساوى الاثنان شراسة وبطشاً.
مناسبة هذا الكلام هي قلق جدي ليس من ضياع الحقيقة في غبار المعارك فحسب، بل أيضاً مخافة أن تؤدي النزاعات إلى ارتكابات تلحق أشد الضرر بقيم الإنسانية والتعايش، ناهيك عن تعريض الناس عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لفظائع تخلف آثاراً نفسية سلبية على أمد بعيد.
والأكثر مدعاة للقلق، أن ما ينتشر عن ملابسات الحروب والصراعات بفعل تقدم التكنولوجيا في أيامنا هذه، يصل مبرمجاً ومعدلاً بحيث يخدم أغراض الدعاية في الحرب، فيصبح التضليل عاملاً أساسياً لتوجيه الحدث مع استخدام أكثر الوسائل تقدماً تقنياً لطمس الحقائق بحيث لا يعود ظهورها ممكناً.
مرت نهاية الأسبوع الماضي، مناسبة عيد العمال، لتذكرنا بأربعة منهم أعدموا ظلماً لاتهامهم زوراً بإلقاء قنبلة تسببت في مقتل 11 بينهم 7 من رجال شرطة في شيكاغو في الأول من أيار (مايو) 1886، قبل أن تظهر الحقيقة باعتراف أحد رجال الأمن بأن رفيقاً لهم وضع القنبلة من أجل تلفيق التهمة للعمال الأربعة الذين كانوا على رأس تظاهرة ضمت آلاف المطالبين بحقوقهم. هذه الحادثة وشواهد أخرى كثيرة في التاريخ، تدفع إلى تساؤل اليوم عما إذا كان ما زال ممكناً كشف حقائق ومكائد في زمن تطور تقني هائل إلى درجة تعمي الأبصار.
يلفت بيان وزع أخيراً لمناسبة «اليوم العالمي لحرية الصحافة» الذي يحتفى به سنوياً في الثالث من أيار، إلى «أزمة معلومات في أنحاء العالم تتجلى بالمزيد من الرقابة الحكومية والتدخل، والمزيد من التطفل من أصحاب المصالح ومزيد من الانتهاك للخصوصيات مع اتجاه متزايد لإساءة استخدام وسائل الإنترنت» للتضليل.
هذا البيان الذي وزعته مجموعة «شبكة الصحافة الأخلاقية» يدعو إلى تشجيع صحافة نوعية وأساليب تواصل «أخلاقية» من أجل التصدي لتلك الانحرافات الخطرة، مع تشديد مدير المجموعة أدريان وايت على أن القيم الأخلاقية ليست هامشية بالنسبة إلى الديموقراطية، بل هي أساسية لمواجهة «البروباغاندا» وخطاب الكراهية المنتشر عالمياً.
وهي كراهية مرتبطة مباشرة بمجموعات من المنحرفين الذين أساؤوا إلى قيم الإنسانية كافة بتحريضهم على الحقد والعنف بين البشر وارتكابهم جرائم إرهابية يندى لها الجبين.
وهنا لا بد من الاستعارة مما أشار إليه أمين المعلوف نهاية الأسبوع الماضي، حول «تزايد صعوبة التعايش بين الناس إلى حد يفوق التصور»، ما يفرض على المثقفين «العمل لتصور عالم مختلف على رغم هذه المرحلة من الضياع الفكري والعنف»، كما قال الكاتب اللبناني - الفرنسي خلال تواجده في أبو ظبي لتسلم جائزة «شخصية العام الثقافية».
ثمة تصميم بين العقلاء، اليوم أكثر من أي وقت مضى، على أن التعايش ونبذ الكراهية ليسا ترفاً، بل ضرورة وحتمية، وأن الحفاظ على القيم الأخلاقية حق مكتسب للإنسانية جمعاء، وهذه مسؤولية صحافة وإعلام ملتزمين بالحقيقة لا بالسبق الخبري والدسائس.

نيسان ـ نشر في 2016-05-03 الساعة 12:27


رأي: سمير السعداوي كاتب

الكلمات الأكثر بحثاً