اتصل بنا
 

أزمة التيار المحافظ في جماعة الإخوان!

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-05-18 الساعة 16:34

قيادي إخواني يتهم ثورة يناير بالمؤامرة ويحرض على الجناح الثوري في الجماعة.
نيسان ـ

يخفون في أنفسهم ما الله مبديه؛ ولهذا لم يكن ما أعلنه أحد القيادات المحافظة في جماعة الإخوان المسلمين، مفاجأة، من أن ثورة يناير مؤامرة، قبل أن يحرض على الجناح الثوري في الجماعة سلطة الانقلاب بتلخيصه للخلاف بين الفريقين بأنه بين من يأخذون بالسلمية ومن يتبنون حمل السلاح!

كنت في أستوديو قناة "الجزيرة مباشر"، عندما وجدت الضيف عبر الهاتف الذي ينحاز لهذا الفريق يتهم "إخوانه" بأنهم مع حمل السلاح، فلم أشأ أن أناقش ما قال حتى لا يلتفت إليه المتربصون، لأن ما قاله يعطي المبرر للانقلاب ليفتك بكل المعتقلين من الجماعة على أساس أنهم مع العنف، والدليل هو ما شهد به أحد قيادات التنظيم في برنامج تلفزيوني.

وفي هذا اللقاء كنت ميالاً لمحاولة تفسير موقف كل جناح، للفهم دون إدانة هذا الفريق أو ذاك، ولم يدفعني التلاسن الحاصل بين ممثلي الفريقين، لأن أخرج عن الدور الذي رسمته لنفسي من بداية الحلقة، وقد انتقل الخلاف للعلن، وكانت أطرافه في البداية تنكره، حتى عندما فكرت قيادات إسلامية منحازة للجماعة في التدخل فقيل لهم إنه لا خلاف هناك ولا يحزنون!

فلم يكن البلاغ الذي تقدم به القيادي بالجماعة "محمد سودان" على الهواء مباشرة، من أن الفريق المخالف لهم يتبني حمل السلاح، جديداً إذن، وهو أمر يخص الجماعة، ويمثل بالنسبة معركة "مصارين البطن"، ليحسمه "الإخوة" أو لا يحسمونه، فهذا أمر راجع لهم، لكن ما يعنيني هو ما قاله هذا القيادي من أن ثورة يناير مؤامرة، قام بها الجيش والمخابرات الحربية تحديداً، وقد أنتجت الثورة خلافا وقع بين مسؤولين في المجلس العسكري وبين حسني مبارك بخصوص قضية التوريث، وقد استغل الجيش الشعب والإخوان في المؤامرة للاستيلاء على السلطة!

فضلاً عن كلام آخر عن دور الجيش في اعتقال وزير الداخلية "حبيب العادلي" ليسقط هيبة الداخلية في نظر الناس، وقيامه بالتخلص ممن أطلق عليه القيادي الإخواني "سودان" لقب "تعلب مصر" اللواء عمر سليمان!

وهو كلام وإن كان معتمداً لدى الثورة المضادة، وقد ألفت فيه كتباً فإن اللافت أن تعتمده قيادات إخوانية، تمثل في الواقع الجناح التنظيمي أو المحافظ في جماعة الإخوان المسلمين، لحاجة في نفس يعقوب، لا يغير منها أن صاحب هذا الكلام وصفه بأنه "رأي شخصي"، و"قناعة شخصية"، و"تحليل شخصي" لا علاقة له بجماعة الإخوان المسلمين، أو بحزب الحرية والعدالة، فيكاد المريب أن يقول خذوني، فالرجل لم تتم استضافته بصفته محللاً استراتيجياً، أو خبيراً في شؤون الثورات، فقد استدعي هذه المرة والمرات السابقة باعتباره ليس قيادياً في الحرية والعدالة أو في جماعة الإخوان، ولكن بصفته يمثل تياراً، أو فصيلاً، أو جناحاً داخل الجماعة، وإلحاحه على أن ما يقوله هو أمر شخصي، يدفع المستمع له إلى الاعتقاد بعكس ما قال، والدليل أنه عاد وتراجع عن هذا الرأي بعد ضغوط، فلماذا يعتذر ويتراجع إذا كان ما قاله يعبر عن "رأيه"، و"قناعته"، و"تحليله"!

منذ ثورة يناير، وأنا أكتب شهادتي عن دور الجيش في الثورة، وهي شهادة رؤية لا شهادة رأي، ثم أنهيت هذا الأمر بسلسلة مقالات مؤخراً، كشفت فيها أن الجيش جاء في ليلة 28 يناير 2011 لتقديم "المؤن والذخيرة" لقوات الشرطة، ثم أن هناك اعتقاد راسخ عبر عنه وزير الدفاع في شهادته لتبرئة الرئيس المخلوع من قتل الثوار، بأن يناير مؤامرة خارجية، وأن الجيش لم يطلب من مبارك التخلي عن السلطة. ونفى تماما أن يكون موضوع التوريث مطروحاً على مستوى الرئاسة!

هذا فضلاً عن أن فكرة إجهاض الثورة في يوم موقعة الجمل تمت في حماية من الجيش، لكن الحديث عن أن الجيش حمى الثورة، كان يستهدف إدخال الغش والتدليس على الثوار، لتمكين المجلس العسكري من حكم البلاد، وهو المخطط الذي فشل عندما خرج الثوار يهتفون بسقوط حكم العسكر في المرحلة الانتقالية!
أما الحديث عن اعتقال وزير الداخلية وإهانته في السجن باعتباره مخططا من قبل الجيش لإسقاط هيبة وزارة الداخلية، فلا نعرف معلومات "القيادي سودان"، عن تاريخ اعتقال "حبيب العادلي" فيبدو أنه يعتقد أن الاعتقال تم في الأيام الأولى للثورة؛ فما لا يعلمه أن "العادلي" ظل حتى بعد سقوط الشرطة يرابط في الوزارة، وعندما حاصرها الثوار رغم أن إطلاق الرصاص الحي كان يتم عشوائيا وهو من المؤن والذخيرة التي نقلها الجيش للداخلية، فإن مصفحة من الجيش نقلته إلى منزله معززاً مكرماً عندما اشتد حصار الوزارة، وظلت الصحف عدة أسابيع بعد تنحي مبارك، تنشر خبر احتجازه في الشرطة العسكرية، في رحلة تأديب من الجيش الذي حمى الثورة ورفض تنفيذ قرار مبارك بإطلاق النار على الثوار، إلى غير هذا من دعايات باطلة نفاها "طنطاوي" في شهادة رسمية وسرية، وإن كان سمح بترديد عكسها عبر وسائل الإعلام، بهدف التضليل!

لقد فاجأ "حبيب العادلي" الجميع من خلال تصريح نشرته جريدة "المصري اليوم" بأنه ليس معتقلاً أو رهن الاعتقال، وأنه في منزله ولم يجر التحقيق معه من أي جهة، عندئذ قامت قيامة الثوار، فاضطر المجلس العسكري لاعتقاله، وكان في سجنه معززاً مكرماً، وما يعلمه "سودان" وشاهده عبر شاشة التلفزيون أنه كان يُؤدى له التحية العسكرية في المحكمة، وما لا يعلمه، أنه لم يكن ينقصه في سجنه إلا أن يستضيف السيدة زوجته، والتي كانت تزوره في أي لحظة، وكان بالليل عندما يشتاق لابنه الوحيد يكلف مأمور السجن بالذهاب للبيت ويأتي به ولو في "وجه الفجر"!

فالذي كسر هيبة الداخلية، لم يكن الجيش، ولكن هزيمة قوات الأمن في مواجهة الثوار، وهروبها بعد يوم عاصف من الكر والفر، وبعد ذلك جاءت مدرعات الجيش لتقدم لهم المؤن والذخيرة!

أما عن من وصفه "القيادي الإخواني" بـ "ثعلب مصر" عمر سليمان، وقاهر الأسود في البراري، فقد كانت مشكلته هي بسبب كراهية شخصية تربط علاقته بالمشير محمد حسين طنطاوي، ضمن سياسة مبارك في اختيار شخصيات تكيد لبعضها ومكروهة في أوساطها ولدى مرؤوسيها ليكونوا ضمن أركان حكمه، وهي فلسفته في الحكم، ولا علاقة لها بكون يناير مؤامرة فـ "ثعلب الصحراء" لم يكن من خارج المؤسسة العسكرية، ولا نعرف المقصود بالتخلص منه، فهل يقصد أن التخلص كان بقتله، أم بمنعه من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية؟!.

المشكلة ليست في أن هذا الكلام هو وجهة نظر خاصة بصاحبها، فهناك من صدقوا دعاية دور الجيش في الثورة، حيث "استملحها" رفضاً للتوريث، لكن المشكلة في أن هذه الدعاية التي يريد لها الجناح الذي ينتمي له "سودان" أن تنتشر، تستهدف التأكيد على أن الجيش هو الذي قام بالثورة، ويصبح حكم الرئيس محمد مرسي هو انقلاب، وأن بيان المجلس العسكري في 3 يوليو هو تعديل مسار، لتعود الثورة لأهلها، والحكم لمن عزل مبارك، فلا حديث عن ثورة أو عن انقلاب ينبغي إسقاطه وشرعية ينبغي أن تسترد!

وهذا هو السبب الحقيقي للخلاف داخل الجماعة، والذي تسمع لأطرافه إعلامياً فيستقر في نفسك أنه خلاف على القيادة، وهي ليست "بيت القصيد"، فهناك جناح ليس مشغولاً بالثورة أو إسقاط الانقلاب، وإن كان يعتمد التقية عندما يتحدث للإعلام، فيعلن أنه مشغول بها ويعمل من أجل عودة الشرعية، وهذا غير صحيح، وأدواته في إبطال أي حراك باتت معروفة وتتمثل في إثارة المشكلات مع التيار الثوري وحصاره، وفي إغلاق القناة التلفزيونية للجماعة عندما تقترب ذكرى الثورة في شهر يناير، حتى صرنا نعرف متى تغلق هذه القناة في كل عام، وأيضاً في الظهور الموسمي ليوسف ندا وإعلانه أن اتصالات تتم بينه وبين ضباط بالجيش ينتوون الانقلاب، ضمن مخطط تبريد الحالة الثورية ما دام الإخوة بالجيش سيقومون بالواجب، قبل أن يختفي صاحبنا في ظروف غامضة ليعاود تصريحاته من جديد عند كل حراك!
لردة الفعل، على كلام "محمد سودان" هذه المرة اضطر أن يعتذر ويتراجع، في حين أنه لم يتراجع عنها في مرات سابقة، لأنها مرت بسلام!
لم يؤلمني كلام "سودان" ولكن أسفت لتراجعه فأنا أحب اللعب على المكشوف

الراية القطرية

نيسان ـ نشر في 2016-05-18 الساعة 16:34


رأي: سليم عزوز كاتب مصري

الكلمات الأكثر بحثاً