اتصل بنا
 

لأن الكارثة تحتاجهم..!

كاتب عربي

نيسان ـ نشر في 2016-05-25 الساعة 12:47

ليبرمان يصل وسط صمت الجميع: صراع القديم من أجل البقاء يدمر الاختراعات والخيالات
نيسان ـ

ـ 1 ـ

ليبرمان جاء...

هل انزعج أحد؟

هل اهتم أحد بوصول التطرف إلى وزارة الدفاع؟

هل أصبح الأمر مهما...؟

أتى ليبرمان بعد أيام قليلة من نداء الرئيس السيسي من أجل «سلام اكثر دفئا...» يضمن فيه، بشخصه، أن «دولة فلسطينية» لن تهز أمان سكان «إسرائيل».

وفي انتظار «العجب» الذي وعد به الرئيس السيسي، لم يأتِ غير ليبرمان المهووس.

لكن لا أحد انزعج حتى من «توسيع» كامب ديفيد، أي مجرد انضمام دول عربية إلى مجال المعاهدة التي تطلبت الصمود والتصدي عندما وُقِّعت في العام 1979.

غاب الاجتهاد حتى في صياغة مبادرة من أجل «عدالة» لا تعني الأمان لإسرائيل وحدها، ولا مصير اللاجئين، ولا إنهاء الاحتلال بمعناه السياسي والعسكري والعقائدي.

كما غاب رد الفعل الصاخب الذي كان يدور في إطار ثنائيات «الوطنية والخيانة» وحل نوع من الصمت الغامض الذي يمكن تفسيره بنفاد الصلاحية.

كيف يمكن أن تتهم بروباغندا الأنظمة خصومها السياسيين بأنهم ينفذون مؤامرة صهيونية وهم في الوقت نفسه يدعون إلى سلام دافئ؟ بل وتكشف التفاصيل أن هناك فاتورة «أمان» لا بد أن تدفع لإسرائيل عن دعمها «تثبيت» الأنظمة نفسها عند الحلفاء في الغرب؟

لكن حتى هذه المفارقة لم تعد تثير الدهشة. أصبحت أمرا طبيعيا يصاحب صراع كل قديم للبقاء.

كل قديم، بمعنى كل قديم... أي أنه لا الدعوة إلى الحرب تلقى رواجا، ولا السلام يغري المتعبين من الحروب... كلاهما لم يعد قادرا على تقديم فقرات الساحر، أو الوعد بالمعجزات... كلاهما مجرد ماء على زجاج «الاختراعات المتخيلة» عن الذات الجماعية، والهويات الشعاراتية، والانسجام العام تحت جناح «الأب المثالي» الذي يقدم كل شيء ويصنع المعجزات بطرف إصبعه الصغير.

صراع القديم من أجل البقاء حقيقي... يبقيه مؤلما ومرعبا وقاسيا لأن لا شيء يبدو في الأفق غير «صراع البقاء» الذي يدمر فيه القديم نفسه، ومعه كل الاختراعات والخيالات التي بنى عليها استمراره منذ نهاية الحرب الكونية التقليدية.

لماذا لا ينتظر جمهور السلام «العجب» من عملية التدفئة المقبلة؟

ولماذا خفت صوت جمهور «حرب الهوية الأبدية» التي لا تنتهي إلا بـ «هرمجدون» من اختراع جماعات الإخوان ووريثاتها وشبيهاتها في العالم العربي كله...؟

ربما لأن الحرب الكبرى هنا هي: البحث عن ديكتاتور جديد يَضُمُّنا تحت جناحه.

ـ 2 ـ

وكل خارج عن هذا القطيع خائن.

كل من يطالب بمحاسبة الحاكم، أو وقوفه في موضع غير «الأبوة المثالية» هو إبن «الأعداء» أو «قوى الشر».

هذه أفكار تزكي نفسها، وتكشف عن فجوة أعمق من «الحرب» و «السلام»... فجوة تلخيصها في أننا نريد العودة إلى بدائية سياسية، رغم أننا نتوق إلى الارتباط باللحظة الراهنة؟

لماذا لا نعلنها صريحة: نريد «داعش».. ونحن نغمض أعيننا أمام صور مذابح تنظيم «الدولة الإسلامية» ونفتحها فخورين مهللين دفاعا عن «دولتنا».

ولماذا لا نعترف بأننا نحب في السر دونالد ترامب ونعتبره رئيسا نموذجيا... سيخرج من تحت الخطابات الأنيقة الغول الذي اختفى في اختراعات التسامح، والإنسانية، والتعايش... وأن خوفنا منه هو نوع مبطن من الغضب لأنه اختارنا نحن أهدافه المعلنة ولم يختر غيرنا؟ بالضبط كما أحببنا «هتلر» لأنه كان متوحشا يحرق اليهود... لكننا نخجل من الإعلان حتى نبدو لطفاء إنسانيين لا نشجع قتل ملايين الناس لانتصار «جيش الخلاص» النازي؟

أو أن حقيقة سقوط إيرباص «مصر للطيران» ستضيع تحت ركام الحكايات الخرافية في حرب الدفاع عن «الشركة» في مقابل «الدولة»... أي أن موت الناس ليس له أهمية بالمقارنة مع أرباح شركات عابرة الجنسيات ودول تبحث عن شرعية بالتزامها بتعليمات رعاتها الغربيين...؟

لماذا لا نعترف بأننا أبناء الهستيريا المنتظرة للأب المثالي الجديد؟

ـ 3 ـ

هستيريا لا تنتصر ولا تكتمل هزيمتها أبدا.

هذه الهستيريا لا يمكنها تقديم «حل»/ ناهيك عن عدالته في فلسطين، فهي جزء من الأزمة إن لم تكن الجزء الأكبر.

وفي المقابل، الأنظمة المتصارعة من أجل «البقاء» بعد انهيارات «سايكس بيكو» والانسحاب الجزئي للراعي الأميركي بعد «عقيدة أوباما» تشحذ قوتها أو جبروتها لإيقاف التغيير أو خطة القضاء على «الهوامش» الصاعدة بعد تعفن المركز.

وفي إطار الاحتياج إلى تقديم ضمانات «الأمن الإسرائيلي» لن يستطيع نتنياهو طويلا إخفاء ذيله «المتطرف» تحت الإيحاء بأنهم يشعرون بأمان في المحيط العربي، حيث لا حاجة إلى مبادرة فرنسية، ولا تكاليف إقامة دولة فلسطينية.

و«التطرف» هو كل ما تبقى حتى للقديم الإسرائيلي... ونفدت صلاحيته، لكنه لن يغادر الآن فالكارثة تحتاجه.

الخليج الجديد

نيسان ـ نشر في 2016-05-25 الساعة 12:47


رأي: وائل عبد الفتاح كاتب عربي

الكلمات الأكثر بحثاً