اتصل بنا
 

العالم في العناية الفائقة

نيسان ـ نشر في 2016-05-26 الساعة 18:26

القمة العالمية للعمل الإنساني تجمع زعماء العالم لمواجهة تردي أحوال البشرية والهوة بين المساعدات الطارئة وتلك المخصصة للتنمية، وتحدد خمسة مسؤوليات رئيسية لتحسين الوضع الإنساني، وتعتبر تجربة أولى للقاءات عالمية لاحقة حول الشأن الإنساني، ولكنها تواجه تحديات سياسية وثقافية وتفوقت أخبار الموت على أخبار الأمل بالحياة.
نيسان ـ

زعماء العالم التقوا أخيراً في ما يشبه نقابة مؤسسات خيرية، ففي إسطنبول عُقدت «القمة العالمية للعمل الإنساني» بعد تحضير استمر ثلاث سنوات، لترسي تقليداً جديداً يواجه تردي أحوال البشرية نتيجة الحروب والجفاف والتغيرات المناخية، ويلحظ اتساع الهوة بين المساعدات الطارئة وتلك المخصصة للتنمية، علماً أن حوالى 130 مليون شخص يعتمدون في عيشهم على المساعدات الدولية، وهو رقم مرشح للزيادة في سياق الحروب والكوارث، خصوصاً في الشرق الأوسط.
القمة الأولى من نوعها، تُظهر الجانب الخيري لدى زعماء العالم، ومن خلفهم دولهم، ربما لإخفاء الجانب السلبي الناتج من الصراعات السياسية والعسكرية، وهو ما عبّرت عنه منظمة «أطباء بلا حدود» التي قاطعت القمة واعتبرتها طوق نجاة للحكومات المسؤولة عن تصاعد الاحتياجات الإنسانية.
وعلى رغم غياب قادة بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وإيطاليا وروسيا واليابان، فإن حضور 60 رئيساً وحوالى 5 آلاف من ممثلي هيئات وجمعيات ووسائل إعلام، أضفى على القمة بعض الأمل، واعتبرها تجربة أولى للقاءات عالمية لاحقة حول الشأن الإنساني، انطلاقاً من خمسة مسؤوليات رئيسية حددها بان كي مون: مبادرات سياسية لمنع النزاعات وإنهاء ما هو قائم منها، التمسك بقواعد تصون الإنسانية، عدم إغفال أحد من المشاركة، الانتقال من تقديم المعونة إلى إنهاء العَوَز، الاستثمار في الإنسانية.
لكن القمة لم تحظ باهتمام كاف من الإعلام العالمي، كأنها مجرد اجتماع عابر. وتفوقت أخبار الموت كالعادة على أخبار الأمل بالحياة والتقليل من أسباب الخراب الذي يحل في أكثر من بلد. وليست القمة خيرية كما يبدو، إنها سياسية في الدرجة الأولى تطاول صراعات داخل كل دولة وما بين الدول نفسها، مدفوعة بالفساد وتوسيع مساحة التسلط. ومن ذلك استمرار القضايا العالقة، مثل الصراع العربي– الإسرائيلي، وتعنت الديكتاتوريات وتسلحها حتى في المجاعة، كما هي حال كوريا الشمالية، وصراع القوى الكبرى بالاستناد الى تخلف قوى محلية، كما يحدث في سورية والعراق وليبيا، حيث يَحْمل أهل تلك الدول أوهامَهم ذرائعَ لاقتتال بلا أفق، أو أنه أفق يكمن في التقاء مصالح الكبار.
والقمة ذات بعد ثقافي أيضاً، ويبدأ الأمر برمزية مكان عقدها: إسطنبول. هنا بلد ينتقل حكامه من العلمنة باتجاه الدولة الدينية، من دون أن يتخلوا عن العصبية القومية. كيف للرئيس رجب طيب أردوغان أن يستضيف قمة عالمية إنسانية وهو يقصف مواطنيه الأكراد لمجرد أنهم يرفضون طريقة الدولة في معاملتهم ويطلبون منها الحوار فلا تستجيب؟
ثمة حرص على الخصوصيات الثقافية حملته رسالة البابا فرانسيس إلى القمة، ومنها «ضرورة الحفاظ على الحرية والهوية الاجتماعية والثقافية للشعوب، من دون أن يؤدي هذا الأمر إلى انعزالها». والاستدراك هنا في محله، لأن الهويات من الأوراق التي يستخدمها دعاة العنف والكراهية لتشكيل جيوش معادية للآخر المختلف.
ونلتفت إلى جهات العالم الأربع فنرى متدينين مسلحين ولا نرى إيماناً، وآخر رموز هؤلاء أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد. ونرى أن ساحات القتال هي الطريق الوحيد لصعود سلّم السياسة نحو المراتب الأعلى، وان المحافظة على هذه المراتب تتم بالقتل أو بالإفساد.
زعماء العالم في قمة عن المنكوبين والضعفاء والنساء. إنه لقاء ضروري لن يكتفي بتبسيط مأساة الإنسانية المقيمة في العناية الفائقة. ليست الحروب والكوارث الطبيعية وحدها، إنما أيضاً أيديولوجيات حاضرة أو مستعادة، كأن السلام مجرد سراب نألفه ولا نريد أن يتحقق.

الحياة

نيسان ـ نشر في 2016-05-26 الساعة 18:26


رأي: محمد علي فرحات كاتب

الكلمات الأكثر بحثاً