اتصل بنا
 

ردينة العطي بعثية تصوت لصالح إسرائيل في البرلمان الأردني

نيسان ـ نشر في 2016-05-28 الساعة 10:27

x
نيسان ـ

كتب محمد قبيلات
لا تكاد أجواء عمّان السياسية تهدأ هذه الأيام، فما أن تنجلي عاصفة حتى تبدأ أخرى، وتزيد مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية الإلكترونية في سعير هذه العواصف تأجيجا، حيث تأخذ بتسليط الأضواء على القصص من النواحي المثيرة كلها، بل إن هذه الوسائط أصبحت مفرخة لإنتاج وصناعة القصص. ردينة العطي النائبة في البرلمان الأردني عن محافظة الزرقاء بطلة واحدة من القصص التي انشغل بها الشارع الأردني الأسبوع الماضي.
صورتان أشغلتا الشارع الأردني بجناحيه الحقيقي والافتراضي الأسبوع الماضي، تعودان للعطي القادمة من مخيم للاجئين الفلسطينيين في محافظة الزرقاء؛ الأولى نشرتها على فيسبوك وتلقفتها الوسائل الإعلامية، ظهرت فيها النائبة ترتدي الثوب الفلسطيني المطرز، وفي الخلفية ساحة المسجد الأقصى حيث كانت في زيارة له.
والصورة الثانية للنائبة ذاتها وهي في مجلس النواب الأردني. المتشابه في الصورتين يدا النائبة المرفوعتين الى السماء. لكن الأولى حيث الأقصى وتصفها النائبة بأنها كانت فيها تتضرع إلى الله أن يخلّص فلسطين من براثن الاحتلال، فيما الأخرى كانت ترفعها تصويتا للموافقة على رفض منع إسرائيل من الاستثمار في الأردن.
هيئتان متناقضتان
العطي التي فازت بالمقعد النيابي على قائمة “الكوتة” النسائية، وهي حصة فرضها قانون الانتخاب الأردني للقطاع النسائي، صوّتت، كما أغلبية أعضاء مجلس النواب الأردني، لمصلحة دخول شركات أجنبية في صندوق الاستثمار الأردني، لكنها وحدها من حصدت اهتماما واسعا لدى الجمهور الأردني وذلك بعد أن هاجمت المطالبين باستثناء إسرائيل بطريقة عنيفة.
ما فعلته ابنة مخيم حطين شنلر، أحد أفقر المخيمات الفلسطينية التي يستضيفها الأردن، قصة أثارت لغطا قويا في شارعي السياسة والصحافة الأردنيين هذا الأسبوع.
ليست المفارقة في أن العطي ابنة شنلر، وأن خزان أصواتها الانتخابية هم اللاجئون الفلسطينيون، بل أكثر من ذلك في كونها عضوا في حزب البعث التقدمي “الممانع” الموالي للنظام السوري. ربما فطنت العطي للمتغيرات التي وقعت لعلاقات دمشق مع إسرائيـل فتصرفت بما يمليه عليها هذا التغير.
صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية تتلقف أخبار مجلس النواب الأردني وتكتب إن تصويت عدد من النواب لمصلحة إشراك شركات إسرائيلية في قانون صندوق الاستثمار الأردني لسنة 2016 يوصف بـ"خطوة غير عادية" و"ضربة موجعة" لحركة المقاطعة العالمية التي تطالب بمقاطعة إسرائيل
لكن ما أن اشتهرت العطي بيديها المرفوعتين تصويتا لعدم استثناء إسرائيل حتى صدر قرار بفصل النائبة العطي من عضوية حزب البعث العربي التقدمي الأردني، ما تطلب ردا من العطي إذ قالت فيه عن قرار فصل حزب البعث العربي لها “انها كانت قد تقدمت باستقالتها من حزب البعث العربي منذ نحو عام كامل، وتحديداً في 15/3/2015، نتيجة وجود تجاوزات بالحزب”.
وأضافت “إن تلك الاستقالة تمت بعد قيام القيمين على الحزب بتسجيل عدد من المواطنين أعضاء ضمن ملاك الحزب من دون علمهم أو الرجوع اليهم، إضافة إلى وجود فساد مالي كبير”.
حماس للتنمية
ما كانت ترفع النائب ردينة العطي يديها معا وبحماسة له تحت القبة هو الموافقة على قانون الاستثمار الأردني الذي اكتمل دستوريا بصدور الإرادة الملكية بالموافقة على نصه كما جاء من غرفتي التشريع في مجلس الأمة الأردني. جاء القانون على صفة الاستعجال، فقد عقدت له دورة خاصة، واستحق صفة أسرع قانون أردني منجز، حيث لم يأخذ أياما منذ اقتراحه من مجلس الوزراء إلى مناقشته في مجلس التشريع إلى توشيحه بتوقيع الملك، بينما القوانين الأخرى تحتاج إلى أشهر وربما سنوات.

هذا القانون، وما خلقه من ارتدادات في الشارع، يأتي امتدادا لفضاء التفاهمات السعودية الأردنية التي أعقبت الخطط السعودية الجديدة في التغيير. ويأتي إنشاء الصندوق بعد توقيع الأردن والمملكة العربية السعودية محضر مجلس التنسيق السعودي الأردني، المتوقع أن ينتج استثمارات في قطاعات النقل والطاقة والسياحة والخدمات، هذه المرحلة التي بدأت بالتعاون مع جمهورية مصر بموضوع الجسر الذي أشعل قصة جزر تيران وصنافير في الشارع المصري، وتطلّب أيضا إنتاج تشريع عاجل هناك يخص ملكية الجزيرتين.
قانون صندوق الاستثمار الأردني لسنة 2016، كما ورد من مجلس النواب، ينشأ بموجبه صندوق استثمار يدار بوساطة مجلس إدارة مكوّن من رئيس الحكومة وأربعة وزراء، وثلاثة يسميهم مجلس الوزراء، تنحصر مهمته بحقوق تملّك واستثمار وتطوير وإدارة وتشغيل عدد من المشروعات، والمشروعات التي تنضوي تحت مظلة الصندوق هي شبكة السكك الحديد الوطنية، والربط الكهربائي مع السعودية، وأنبوب نقل النفط الخام والمشتقات النفطية إلى موقع مصفاة البترول ومواقع الاستهلاك والتخزين، وتطوير البنية التحتية في مدينة خادم الحرمين الشريفين، والمدينة الترويحية/المطل/بمحافظة العقبة، وأيّ مشروعات بنية تحتية أو تنموية كبرى إضافية يوافق عليها مجلس الوزراء بناء على تنسيب من مجلس إدارة الصندوق، وحسب المشروع، فإن الصناديق السيادية ومؤسسات الاستثمار المحلية والعربية والأجنبية ستدعى لتأسيس شركة مساهمة عامة أو أكثر للاستثمار في حقوق التطـوير والاستـثمار للمـشروعـــات المشمولة بالقانون.
الاستثمار الإسرائيلي
في اليوم التالي لجلسات المناقشة والإقرار أصدرت النائبة ردينة العطي بيانا تداولته الوسائط الإعلامية والاجتماعية ذاتها التي اشتغلت بالقصة خلال الأيام الماضية، قالت في بيانها المعنون بـ”حسبي الله ونعم الوكيل” إنها لم تصوّت يوما إلا لفلسطين، وقد كانت دائما في الصفّ المدافع عن المواقف المؤيدة للفلسطينيين، وأن زيارتها للقدس كانت في هذا الإطار، إلا أن مراكز ومؤسسات وأفرادا، لم تسمّها، هي التي اختلقت هذه القصص التي تستهدف اغتيالها سياسيا.
النواب الأردنيون منهمكون بجهود العودة إلى البرلمان القادم، وهذا ما استدعى أن يُطرح البند الذي لا يجيز للشركات وللحكومة الإسرائيلية المشاركة في صندوق الاستثمار الأردني في الجلسة الصباحية ووافق غالبية النواب لكن العطي وزملاء لها اعترضوا وأعادوا التصويت
هذه المرحلة من العملية السياسية الأردنية انتقالية بامتياز، فالبلاد على أعتاب انتخاب مجلس النواب الثامن عشر، وبطبيعة الحال تغيير الحكومة، حيث نص الدستور على حل الحكومة القائمة في حال حلّ مجلس النواب خلال أسبوع، ولا يجوز أن تُكلّف الحكومة نفسها مهما كانت الأسباب للإشراف على الانتخابات الجديدة.
الحالة الانتقالية القائمة خلقت الإرباكات كلها، حيث يعمل غالبية النواب للعودة في البرلمان القادم من خلال استعراض المطالب أو تحقيق إنجازات سريعة والمجلس في رمقه الأخير، وهذا ما استدعى أن يُطرح البند الذي لا يجيز للشركات وللحكومة الإسرائيلية المشاركة في صندوق الاستثمار الأردني في الجلسة الصباحية ووافق غالبية النواب. لكن، في استراحة الغداء جرى تحرك غريب بين النواب قادته كتلة المبادرة النيابية، وهي كتلة يتزعمها النائب مصطفى الحمارنة، وهو عضو الوفد المفاوض الذي أنتج اتفاقية وادي عربة، ومن ضمن أعضائها النائبة العطي، تحرُّك جمع تواقيع خمسة وثلاثين نائبا من ضمنهم النائبة العطي، طالب بإعادة التصويت على بند المشاركة الإسرائيلية في الصندوق.
دعمت هذه الرواية تصريحات النائبة رلى الحروب التي لفتت فيها إلى أنه وأثناء استراحة الغداء “تفاجأنا بحراك مضاد قبيل الجلسة المسائية وبمذكرة نيابية موقعة من 35 نائبا تقدمتهم كتلة المبادرة النيابية والنواب محمد الحجوج ويوسف القرنة وقصي الدميسي ومحمد البرايسة وردينة العطي، تطلب إعادة فتح المادة الثانية من القانون والتصويت عليها”.
هذا ما كان بالفعل، حيث أعيد الموضوع للنقاش في الجلسة المسائية، وصوّت أغلب النواب على إلغاء عدم مشاركة الإسرائيليين في الصندوق، فكانت معركة خاسرة منذ بدايتها حققت لإسرائيل مكسبا مجانيا، كان يمكن تجنبه منذ البداية، فليس شرطا ذكر المبادئ الأساسية في كل قانون.
القبة شهدت مشادات بين بعض النواب المؤيدين والمعارضين، طلب خلالها النائب يحيى السعود رئيس لجنة فلسطين، في المجلس، من زميلته في اللجنة ردينة العطي “عدم التصويت على المادة” كونها عضوة في اللجنة، إلا أنها رفضت ذلك حسب ما ذكرت النائبة هند الفايز في تصريحات صحافية.

الصحافة الاسرائيلية تلقفت الخبر، فكتبت صحيفة “جيروزاليم بوست” في اليوم التالي إن تصويت عدد من النواب لمصلحة إشراك شركات إسرائيلية في قانون صندوق الاستثمار الأردني لسنة 2016 يوصف بـ”خطوة غير عادية” و”ضربة موجعة” لحركة المقاطعة العالمية التي تطالب بمقاطعة إسرائيل.
تقول الصحيفة العبرية “إن المشهد انقلب رأسا على عقب لمصلحة إسرائيل تحت قبة البرلمان الأردني، ففي الجلسة الصباحية صوت النواب بالأغلبية على حظر مشاركة الشركات الإسرائيلية في الصندوق، ليعود في جلسته المسائية وينتصر لإسرائيل بالسماح للشركات الإسرائيلية بالمشاركة في استثمارات الصندوق”.
وتضيف إنه من المفارقة أن يصوّت أحد أعضاء لجنة فلسطين النيابية لمصلحة إسرائيل وذلك في إشارة إلى النائبة ردينة العطي التي صوتت لمصلحة القرار.
وتقتبس الصحيفة عن النائبة قولها إنها شعرت بفخر حيث “صوّتُّ برفع يديَّ لدعم إدراج الشركات الإسرائيلية في صندوق الاستثمار”.
وتطرقت الصحيفة الى ما وصفته بحالة “الفوضى” التي ضجّت بها مواقع التواصل الأردنية، عقب التصويت لمصلحة القرار واصفة النشطاء الذين رفضوا القرار بـ”المعادين” لإسرائيل.
تقاطع الأجندات
ما فعلته ابنة مخيم حطين شنلر، أحد أفقر المخيمات الفلسطينية التي يستضيفها الأردن، قصة أثارت لغطا قويا في شارعي السياسة والصحافة الأردنيين هذا الأسبوع
ما أثار اختلاط انطباعات الشارع الأردني؛ هو أن نوابا من أصول فلسطينية صوتوا “بالموافقة على إسرائيل”، كما أن النائب الذي تلى الكلمة والذي طالب بإعادة التصويت على الفقرة هو النائب جمال حديثة الخريشة، ابن محافظات الجنوب الأردنية. كما رأى بعض النواب في تصريحات وبيانات مختلفة أنه لا ينبغي على أعضاء مجلس النواب التصويت لمصلحة القرار الذي ينصّ على السماح للشركات الإسرائيلية بالاستثمار في الصندوق الأردني، وبالأخص أعضاء لجنة فلسطين النيابية، ومن كان منهم قبل فترة قصيرة في زيارة إلى القدس، واطّلع على واقع الحال المرير الذي يعاني منه الفلسطينيون من جراء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ أكثر من 68 عاما.
رئيس لجنة فلسطين النائب يحيى السعود قال انه مستاءٌ جدا من قيام النائبة ردينة العطي بالتصويت لمصلحة القرار برغم وجودها في فلسطين أمس واطّلاعها على معاناة الشعب الفلسطيني أثناء زيارتها لمدينة القدس، مؤكدا أن السجال حصل فقط معها كونها عضوة بلجنة فلسطين النيابية وزارت فلسطين أكثر من مرة، كانت آخرها للقدس.
وتساءل “كيف لنائبة عضوة بلجنة فلسطين وزارت فلسطين بالأمس أن تصوت اليوم لمصلحة الشركات الإسرائيلية التي تستثمر أموالها لشراء السلاح والرصاص لقتل أبنائنا في فلسطين؟”.
الجميع اشتبك مع الملف، فهذه الكاتبة الصحافية الأردنية لميس أندوني كتبت عبر صفحتها على فيسبوك “فيما ينضم باحثون وأكاديميون وفنانون غربيون إلى حركة مقاطعة إسرائيل، يتراجع البرلمان الأردني عن استثناء إسرائيل من صندوق الاستثمار الأردني، ويتحدثون عن سيادة وطنية، والمفارقة وربما ليست مفارقة يحدث ذلك في أسبوع ذكرى عيد الاستقلال”.
مواليد قانون الانتخاب
بغض النظر عن مقاصد المشرّع، فإن النتيجة هي أن قانون الانتخاب وقف حائلا دون وصول أصحاب الكفايات وممثلي الناس الحقيقيين إلى مجلس الشعب، لذلك ظلت المتناقضات هي المهيمنة على المشهد النيابي، ولعل هناك مَن يتقصد، قوى الشد العكسي مثلا، إظهار المجلس بهذا الضعف، كي يبعد الأنظار والمطالبات والاهتمامات بأشكال الحكم الديمقراطي، وإن كان هناك من يقصد ذلك أو لم يكن، فإن المجالس النيابية الأخيرة في الأردن رسخت مثل هذه القناعة عند الكثير من الناس.

العرب اللندنية

نيسان ـ نشر في 2016-05-28 الساعة 10:27

الكلمات الأكثر بحثاً