اتصل بنا
 

الحرب العالمية على الحقوق والحريات.. حالة الهند

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-05-29 الساعة 13:39

تفاقم القمع الحكومي في الهند تحت حكم اليمين الأصولي، مع تغيير أسماء الميادين العامة وتعديل المقررات الدراسية لصالح المكون الهندوسي وتهميش العلمانية، بالإضافة إلى ممارسات قمعية ضد الحركات الاجتماعية والمجتمع المدني المناهض للفكرة الأصولية.
نيسان ـ

لسنا بمفردنا فى المعاناة من ممارسات قمعية تنفذها الحكومة من خلال أجهزتها الأمنية، وليست وضعية مصر بسماتها السلبية المتمثلة فى إماتة السياسة وحصار المجتمع المدنى والحرب على الحرية فى الفضاء العام بعصية على المقارنة بوضعية بلدان أخرى بعضها كروسيا والصين لم تبتعد حكوماته أبدا عن الانتهاك الممنهج للحقوق والحريات وعن الإخضاع السلطوى للشعوب، وبعضها الآخر تنزلق حكوماته حاليا إلى هاوية التنصل من القيم الديمقراطية أو يواجه خطر صعود اليمين المتطرف الذى يشن حربا ضارية على المساواة والحرية والعدل. وعن بلد كبير يندرج اليوم للأسف فى خانة هذا «البعض الآخر» أكتب، عن الهند أكتب.

هذا البلد الكبير أسس منذ الاستقلال الوطنى والتخلص من الاستعمار البريطانى لنظام ديمقراطى برلمانى، وحافظ على استقراره على الرغم من ظروف داخلية صعبة (معدلات فقر وبطالة وعنف مرتفعة وصراعات طائفية ومذهبية واجتماعية متكررة) وتهديدات إقليمية متواصلة (الحروب الهندية ــ الباكستانية والعلاقات المرتبكة تاريخيا بين الهند والصين) وأحلاف دولية لم تعجبها السياسات الهندية (كسياسة عدم الانحياز التى تبنتها الهند منذ خمسينيات القرن العشرين). هذا البلد الكبير، والذى دوما ما فاخرت نخبه الفكرية والسياسية بكونه الديمقراطية الأقدم تاريخيا فى آسيا والأكثر كثافة سكانيا عالميا، ينزلق مع حكومة اليمين الأصولى التى يتصدرها رئيس الوزراء مودى والتى جاءت عبر صناديق الانتخابات إلى انقلاب تدريجى على الحقوق والحريات الأساسية.

من جهة، تنزلق الهند إلى هاوية الفعل السياسى السلطوى كتغيير أسماء بعض الميادين العامة والشوارع الرئيسية فى المدن الهندية وتعديل بعض المقررات الدراسية فى مراحل التعليم المدرسى، وفى الحالتين إما لتغليب المكون الهندوسى على المكون الإسلامى فى التاريخ والثقافة الهندية أو لتشويه تاريخ حركة الاستقلال الوطنى بتهميش قياداتها العلمانية كجواهر لال نهرو والادعاء الزائف بالحضور الطاغى «لوطنية هندوسية» منذ بدايات النضال ضد الاستعمار البريطانى.

من جهة ثانية، تصعد حكومة مودى اليمينية من ممارساتها القمعية ضد قوى اجتماعية وحركات طلابية وشبابية ومنظمات مجتمع مدنى ترفض الفكرة الأصولية التى تحملها حكومة مودى والتى ترتب سياسات عامة تحابى الأقلية الغنية على حساب الأغلبية الفقيرة وتهمل العدالة الاجتماعية وتعمق من غياب المساواة، وترتب أيضا سيلا من التعديلات القانونية ومن التشريعات الجديدة التى تفرض مجموعة من القيم الرجعية بغرض تقييد الحريات الشخصية والمدنية وقمع حرية التعبير عن الرأى والترويج العام للتمييز العنصرى بين المواطنين الهندوس كالأغلبية صاحبة الأرض والموارد ومحتكرة الموارد وبين المواطنين المنتمين لأقليات عددية يصنع تشويها للتاريخ وتزييفا للحقائق المجتمعية منها غرباء غير مرغوب بهم كالمسلمين. ومن بين الممارسات القمعية هذه، تواجه حكومة مودى الحركات الطلابية التقدمية فى الجامعات (كجامعة جواهر لال نهرو فى دلهى، وبها حاليا إضرابات متتالية للطلاب) بإلغاء المنح الدراسية والتعقب القضائى وتقييد الحريات الأكاديمية من حرية التعبير عن الرأى إلى حرية البحث العلمى.

من جهة ثالثة، يستغل اليمين الأصولى ضعف حزب المؤتمر، الوريث الشرعى لعلمانية الهند ولمواطنة المساواة الكاملة، لإطلاق يد الحركات الهندوسية المتطرفة لغزو الفضاء العام بخطاب تمييزى يهدد تعدديته ويهمش غير الهندوسيين بصياغة مقولات كراهية متتالية باتجاههم ويؤهل اليمين من ثم لأغلبية مستقرة فى صناديق الانتخابات. يحدث ذلك، بينما تعطل على نحو ممنهج الإجراءات القانونية والقضائية التى يمكن اتخاذها ضد المتطرفين وصناع الكراهية.

والحصيلة المؤسفة هى انزلاق الهند إلى هاوية سلطوية وأصولية تنفذها حكومة منتخبة، ولا تقوى على منعها فكرة علمانية تراجعت مجتمعيا، وتقاومها حركات تقدمية ومنظمات مدنية تحاصر وتقمع غير أن مقاومتها تستمر.

الشروق

نيسان ـ نشر في 2016-05-29 الساعة 13:39


رأي: عمرو حمزاوي كاتب مصري

الكلمات الأكثر بحثاً