اتصل بنا
 

المنطقة العربية وإمكانيات التقسيم

صحفي تونسي

نيسان ـ نشر في 2016-05-31 الساعة 12:25

تقسيم سايكس بيكو والحرب العالمية الثانية وأفول الاتحاد السوفيتي: تحولات جيوبوليتيكية وظهور فواعل دولية جديدة.
نيسان ـ

زهاء المائة عام على تقسيم سايكس بيكو وأكثر من خمسين سنة مرت على الحرب العالمية الثانية وقرابة العقدين على أفول الاتحاد السوفيتي فاتحًا المجال للقوة العالمية الواحدة بالصعود والتحكم بالخارطة العالمية كما توقع فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ.

فترة هي طويلة في علم الجيوبوليتيك والجغراسياسي أفلت فيها قوى وظهرت أخرى وتغيرت فيها العديد من المفاهيم وتبلورت أخرى كالنظام العالمي الجديد والعولمة، وتشكلت مراكز للنفوذ وتعددت في ظل تقسيم جيوبوليتيكي يعود لما بعد الحرب العالمية الأولى أو هو ما يعرف بتقسيم "سايكس بيكو" والذي صار لا بد أن يتغير لعدة أسباب.

اليوم ما من مجال للشك أن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط مختزلة في سوريا واليمن السعيد ومنطقة شمال إفريقيا خاصة ليبيا وتونس والجزائر، ودخول قوى من الغرب والشرق في اللعبة، يدخل في باب ربما محاولة إيجاد تقسيم جديد يرضي القوى التي صعدت حديثًا لاسيما في ظل تغير الفاعلين الدوليين وتطور النظام الدولي من محصلة تفاعلات بين الدول القومية والوطنية نحو نظام عالمي جديد طفت فيه العديد من الأطراف التي لا تعد من أشخاص القانون الدولي كالشركات العبر قطرية التي باتت تزاحم الدول في نفوذها حتى الكبرى منها، والإعلام والذي يمثل ذراعًا للتحكم والسيطرة وتصوير القوة، وكذلك الإرهاب الذي بات يعد مع بزوغ القرن الحادي والعشرين أهم الفواعل الدولية الذي يؤثر في سياسات الدول ويمثل وازعًا لإعلان الحرب وإنشاء التحالفات والسيطرة والتوسع على حساب الآخر.

الأكيد أن ظهور هذه الفواعل الدولية بما فيها الدول الناشئة والشركات متعددة الجنسيات سيدفع لمزاحمة الدول الكبرى والتي باتت تفقد سيطرتها وتخسر شيئًا من تحكمها باعتبار سهولة الاختراق أمام العولمة ووسائل الاتصال، وهذا ما عزز فرص عدم قدرتها على إحكام قبضتها على مجالها الحيوي، ومن المؤكد أنه سيطرح إمكانية الخروج بتقسيم جديد يضمن حقوق هذه القوى الجديدة من خارطة العالم بما يخدم مخططاتها الجيوبوليتيكية، حيث يؤكد كارل هاوسهوفر واضع جيوبوليتيك الرايخ في الحرب العالمية الثانية أن الدول العظمى لا يمكن لها أن توجد وتسيطر إلا بالنمو والتوسع في مجالها الحيوي، وأن التوازن لن يتحقق دون تحقيق الكفاية الذاتية التي تتحقق عبر استمرار الدولة في التوسع إلى ما تعتبره مجالها الحيوي.

البحر الأبيض المتوسط منطقة للتقسيم

منذ ما قبل التاريخ مثّل البحر المتوسط ومنطقة شمال إفريقيا ملتقى للحضارات وكبريات الإمبراطوريات (قرطاج - روما - أثينا) ومسرحًا لحروب طاحنة بينها في مسعى لإحكام السيطرة على هذا المعبر الاستراتيجي والرابط بين عالم شمالي وآخر جنوبي.

ولا يزال هذا البحر إلى اليوم محط أنظار كل القوى العظمى، وقد ذهب الفرد مهان أحد أبرز المنظرين في علم الجيوبولييتيك والذي اقترن اسمه بنظريات قوى البحر إلى كون البحر المتوسط أمام خيارين لا غير: فإما أن يبقى تحت سيطرة قوة عظمى واحدة أو أنه سيتحول لمسرح للحروب والصراعات، خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية التي يمثل لها نقطة الارتكاز الجيواستراتيجية، وروسيا التي بنت نفسها على أنقاض الاتحاد السوفيتي وتحاول أن تثبت ذاتها وتستعيد مراكز حيوية لها خاصة في الجزء الشرقي سوريا ومصر وكذلك في طرفه الجنوبي ليبيا والجزائر.

ضرورة التقسيم في الشرق

طبيعي جدًا ما يحدث في المنطقة العربية، فتقسيم هذه المنطقة يعود لما قبل الحرب العالمية الثانية ولا بد من البحث عن إعادة تقسيم يضمن حق القوى الصاعدة وقوى أخرى تحاول إبقاء سيطرتها على المنطقة، فروسيا مثلا لا يمكنها أن تفقد منطقة اللاذقية التي تمثل منطقة حيوية بالنسبة إليها وسوريا ككل أو لنقل النظام الأسدي والذي يمثل ركيزة لاستقرار المنطقة منذ سوريا حافظ الأسد، فحماية الأمن القومي لسوريا يضمن لها حماية الأمن الإقليمي للمنطقة (إسرائيل - الأردن - تركيا - إيران) خاصة أن هذا التوازن يضمن بقاء الاستقرار في العالم والمحافظة على موازين القوى في منطقة غنية بالثروات الطبيعية وهي تحت صراع القوى الكبرى.

وقد تفطنت القوى الصاعدة لهذه المعادلة لذلك فهي تحاول جاهدة تغييرها خاصة أن الثورات العربية مثلت فرصة سانحة لبلورة هذه الأطماع على أرض الواقع حتى وإن كان هذا على حساب حلم شعب بأكمله في الديمقراطية.

تونس بوابة أمن أوروبا

إن سقوط تونس بيد الإرهاب أو تعرضها لأي خطر يعني سقوط القارة العجوز، فهي تمثل بوابة لأوروبا ونقطة ضعف مهددة لأمنها واستقرارها، ولذلك فقد بادرت كبرى الدول إلى الدعوة لضمها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" كعضو غير دائم من أجل السماح بالتدخل كلما تم استشعار الخطر.

ولعل المساعدات والدعم الأوروبي لمسار الانتقال الديمقراطي في البلاد ومحاولة فرض التوافق بين جل الأطراف الفاعلة في البلاد لا يفهم إلا بأنه محاولة لحماية البلاد من السقوط في مربع العنف.

الأكيد أن المنطقة العربية في جزئيها الشمال إفريقي والشرق أوسط باتت تعد محط أنظار كل القوى العالمية وهي تسعى للسيطرة عليها وتقسيمها بما يستجيب لخارطة العالم الجديد وهي ستفتح المجال لاحتمالات كثيرة أغلبها يصب في خانة التقسيم والتفكيك.

نون بوست

نيسان ـ نشر في 2016-05-31 الساعة 12:25


رأي: حمدي الزايدي صحفي تونسي

الكلمات الأكثر بحثاً