اتصل بنا
 

هاني الملقي يعزز التحالف مع الخليج وسط حدود مغلقة

نيسان ـ نشر في 2016-06-05 الساعة 11:22

x
نيسان ـ


كتب محمد قبيلات...الملقي رئيس وزراء أردني جديد يتسلح بالتكنوقراط فهو ليس رجل إدارة بامتياز بل يمتلك رؤية سياسية للإقليم بسبب خبرته الدبلوماسية الواسعة.
يتندّرَ ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عمّن سيهتفون بوجهه ويوجهون له سهام نقدهم بعد رفع أسعار الوقود. وقد جاءت زيادة الأسعار في توقيت أربك الهاتفين فمرّ من دون صياح معهود.
منذ أن قررت الحكومة رفع الدعم عن الوقود وتعويم أسعاره، ومجلس الوزراء منشغل بمراجعة التغييرات التي تطرأ على أسعار النفط العالمية في اجتماع يعقد شهريا، ليقرر سعر البيع الجديد للشهر المقبل، هذه المرة جاء موعد مراجعة رفع للأسعار من دون وجود الوزراء، وذلك في الفترة الزمنية بين خروج رئيس الوزراء السابق عبدالله النسور من مقر الرئاسة في الدوار الرابع، وبين تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور هاني الملقي، فعلى من يلقي الهاتفون هتافاتهم؟.
تسيير البرامج
تلك المشاغبات تعكس القناعات الراسخة لدى الكثيرين، وفحواها أن حكومات “تسيير برامج” تتابع تطبيق ما رسم لها سلفًا، لتنفذ أجهزة الدولة خطة مرسومة لا تتأثر أو تتبدل بتبدل الوزراء.
ومما زاد هذه القناعة رسوخًا الإبقاء على 11 وزيرا من الحكومة المستقيلة، في مناصبهم. بل إن بعض هؤلاء الوزراء ظل على الدوام يظهر في كل تشكيلة جديدة، حتى وصفوا من قبل الناشطين والشارع بأنهم “عابرو الحكومات”، فلا تتشكل حكومة إلا وتولوا المناصب ذاتها، ومن أبرزهم وزير الخارجية ناصر سامي جودة.
تكليف هاني الملقي برئاسة مجلس الوزراء هو التوريث الثاني في عهد الملك عبدالله الثاني، فيما كان الأول لعائلة الرفاعي، فكُلفَ سمير زيد الرفاعي الذي كان والده وجده من قبله قد شكلا العديد من الحكـــومات في العـــهود الملكيــة الســـابقة.
رئيس الوزراء الجديد ينتمي لعائلة “الملقي” الشامية القاطنة في إربد “عروس الشمال” المتكئة على سهول حوران الممتدة عبر سوريا الجغرافية.
لكن جذور رئيس الوزراء لا تقف عند سوريا بل تمتد بعيدا نحو تركيا الذي انتقل منها جده إلى مصر مرورا بسوريا، الى أن استقر به المطاف في الأردن بالتزامن مع تأسيس إمارة شرق الأردن والتي بدأ فيها الأمير عبدالله بن الحسين باستقطاب “الكفاءات” من سوريا ولبنان ومصر لأغراض تأسيس الدولة الأردنية. ومن ضمن هذه الكفاءات كانت عائلة الملقي، فاستلم فوزي باشا الملقي رئاسة الوزراء بين عامي 1953 و1954.
سياسة التوريث تلك تنسحب على العديد من الوزراء، فمنهم مَن هو مِن أبناء وزراء ورؤساء وزارات أو كبار موظفين سابقين. لكن هناك من يشذّ عن هذه القاعدة من أصحاب الكفاية والخبرة، أو ممّن يندرجون ضمن حسابات التمثيل الحزبي أو الجغرافي أو الجندري، حيث انضم لهذه الحكومة وزير يساري، وآخر حراكي من الجنوب، وأربع وزيرات، وبهذا تكون الحكومة ربما قد فازت بقصب السبق من حيث عدد الوزيرات اللائي شاركن في حكومات طوال تاريخ الدولة الأردنية. لكن هذه التحسينات والتجميلات لن تشفي غليل الحراكيين الذين طالبوا بتداول عادل للسلطة في معرض رفضهم توريث المناصب، وكتعبير عن يأسهم من هذه الحالة فقد سبق لهم أن رفعوا شعار “تسقط الحكومة القادمة”.
مشكلة الإصلاح
يأتي الملقي إلى دارة الرئاسة بعد أن أُنجزت جملة من التعديلات الدستورية التي ركزت المزيد من السلطات بيدي العاهل الأردني، وربطت قادة الأجهزة العسكرية والأمنية به بشكل مباشر. فهو الذي يُعيّنهم ويُقيلهم، ما يفتح الباب واسعًا للتنبؤات بأن نزع هذه الصلاحيات من رئيس الوزراء، يعدّ تمهيداً واضحاً للحكومة البرلمانية. فتتشكل الحكومة بناء على الأغلبية البرلمانية، وتتخفف من المسؤوليات الحساسة المتعلقة بالأمن الوطني التي لا تحتمل تقلب الأهواء والأمزجة في الإدارة.

لكن في المقابل تتوفر مؤشرات بأن حكومة الملقي ستكون من الحكومات المعمّرة التي ستطلب الثقة من مجلس النواب المقبل وتبقى معه حتى نهاية مدته الدستورية “أربع سنوات”.
الملقي القادم من رئاسة إقليم العقبة، المدينة الأردنية الساحلية الواقعة على شاطئ البحر الأحمر وفيها الميناء البحري الأردني الوحيد، تصدّى لملفات التسيب والتهريب وسوء الإدارة بكل بسالة، إلى درجة أنه قال لصحافيين في بداية التسريبات لترشيحه لرئاسة مجلس الوزراء “من يروج لرئاستي الحكومة لا يريدني في العقبة”. ولطالما حظيت العقبة برعاية ملكية خاصة، وعلى ما يبدو فإن الطريقة التي أدار بها الملقي ملفات المدينة، وصلت إلى درجة أرضت عنه صاحب القرار، وهو على كل حال مُجرّب في أكثر من موقع ومكان.
لكن الرجل ليس رجل إدارة بامتياز بل يمتلك رؤية سياسية للإقليم ظهرت عندما قاد الدبلوماسية الأردنية في العام 2004 وزيرا للخارجية وعندها اشتهر كما يتردد في وسائل الإعلام أنه مَن نحَتَ مصطلح “الهلال الشيعي”، وكان الملك عبدالله الثاني قد استخدم هذه المصطلح في حديثه للواشنطن بوست أثناء زيارته للولايات المتحدة في أوائل شهر ديسمبر عام 2004.
في ما يخص الإصلاح، ليست المشكلة محصورة بالرغبة أو عدمها، بل في الخلط المفاهيمي المتعلق بالإصلاح، بما هو خلط مقصود من جهة ما لبعثرة الجهود.
الملقي يأتي إلى رئاسة الوزراء من رئاسة إقليم العقبة، الميناء البحري الأردني الوحيد، حيث كان قد تصدى لملفات التسيب والتهريب وسوء الإدارة بكل بسالة، إلى درجة أنه قال لصحافيين في بداية التسريبات لترشيحه لرئاسة مجلس الوزراء "من يروج لرئاستي الحكومة لا يريدني في العقبة"
في الشارع الأردني خطابان ظاهران. الأول يتحدث عن أن تحقيق الإصلاح هو في منح الحقوق السياسية الكاملة للفلسطينيين، وأولها زيادة حصتهم في البرلمان وفي الحكومة. ما يجعلهم يدخلون القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وهذا ما يتحدث به بعض السكان من ذوي الأصول الفلسطينية.
أما الخطاب الثاني فهو الذي يتحدث عن ضرورة تحصيل المزيد من المكتسبات الوظيفية والمناطقية، ومعالجة مشكلة البطالة والفقر وتدنّي الدخل وهذا من ينادي به الأردنيون من أصول أردنية.
وبين الجناحين يدور حوار صامت بارد، حدّت من سخونته مؤخرًا تيارات اللاجئين الجدد الذين أخذوا بالتدفق على العاصمة عمّان والمدن الأردنية الشمالية، لكن هذا الحوار مهما خفت صوته، يظل يُكبّل صاحب القرار الذي ما زال ينتظر مآلات صراعات المنطقة والإقليم وما سينجم عنها من حلول وخرائط جديدة.
وتواجه الرئيس الملقي أيضاً مشكلة قانون الانتخاب والأحزاب. حيث أن البرلمان قد تمّ حلّه مسبقاً من أجل الخلاص من قانون الصوت الواحد، وتشريع قانون جديد يؤسس لحياة حزبية. لكن الجدل المطوّل بين أركان السلطة، لم يستطع تخطّي الحل المتوسط، فكان أن توافقت على قانون انتخابي يأتي بين الصوت الواحد والقائمة النسبية.
فالأحزاب ما زالت ضعيفة بفعل قوانين الانتخاب التي لا تدفع بالتيارات ذات اللون والبرنامج الواحد للاندماج لتشكل أحزابا كبيرة قوية.
وقد سبق للعاهل الأردني الراحل الملك الحسين أن توجه للأحزاب بالدعوة لأن تندمج وتشكل أحزابا كبيرة قوية، وكان يجري الحديث عن ثلاثة إلى أربعة أحزاب؛ قومي ويساري ووسطي وإسلامي، فقال يومها كلمته المشهورة “الازدحام يعوق الحركة”. لكن قانون الانتخاب الحالي يحول دون وصول المرشحين الحزبيين إلى قبة البرلمان، وحتى إذا وصل بعضهم، فإنهم يصلون بدعم من عشائرهم وحواضنهم الاجتماعية، ولا دخل أو فضل لتوجهاتهم السياسية أو الفكرية أو البرامجية في تصعيدهم للبرلمان.
الاقتصاد العقبة الكأداء
التحدّي الأكبر الذي يواجه الحكومة هو الاقتصاد. فالتركة أثقل من أن تحلها حكومة مؤقتة جاءت للإشراف على الانتخابات. وبرغم خبرات الرئيس وما يُعرف عنه من دقة وجدية في أسلوب العمل، إلا أنه يأتي في وقت تجاوزت فيه المديونية حاجز الخمسة والثلاثين مليار دولار، والعجز في الموازنة بلغ نحو 2 مليار دولار، والبطالة في ازدياد، والحدود مغلقة مع العراق، وقد كانت التجارة معه تشكل عصب الاقتصاد الأردني، حيث أن 70 بالمئة من قطاع الصناعة والنقل كانت متجهة إلى العراق.
كما أن الحدود مع سوريا شبه مغلقة، وليست المشكلة في العلاقة البينية مع سوريا، بل إنها تتجاوز ذلك إلى العلاقة الاقتصادية مع أنقرة وبيروت، ليتعطل معها الترانزيت القادم من تركيا ولبنان والمتوجه إلى دول الخليج، وهناك التهديدات التي تواجه أنبوب الغاز القادم من مصر، فلطالما عطلته التفجيرات الإرهابية.
لكن الإدارة الأردنية تراهن اليوم على التعاون مع السعودية، وتبني الكثير من الآمال على الصندوق الاستثماري الأردني الذي انبثق عن التفاهمات مع العربية السعودية حول الاستثمار في مجالات البنية التحتية والطاقة.
أما قطاع الطاقة فهو القطاع الحيوي في بناء الاقتصاد الأردني، والذي تقول الحكومة عنه في معرض ردّها على كتاب التكليف السامي: إنها ستواصل العمل على تنفيذ استراتيجية قطاع الطاقة، بما في ذلك تنويع مصادرها، خاصة الجديدة والمتجددة، وتحرير سوق المشتقات النفطية، بما يضمن التنافسية التي تعود بالنفع على المواطن، إضافة إلى إنجاز المشروعات الكبرى في هذه المجالات.
بعض الوزراء الأردنيين يظهر على الدوام في كل تشكيلة جديدة، حتى وُصفوا من قبل الشارع بأنهم "عابرو الحكومات"، فلا تتشكل حكومة إلّا وتولوا المناصب ذاتها
التخاطب البروتوكولي
كل الدلائل تُشير إلى أن مهمة حكومة الملقي مرحلية، وهي الإشراف على الانتخابات النيابية والمجالس المركزية. لكن ليس هناك ما يمنع، سواء من جهة الدستور أو جهة العرف السياسي الأردني، من أن تتقدم الحكومة بطلب الثقة من المجلس النيابي الجديد وتواصل عملها بعد إجراء الانتخابات.
خطاب التكليف الملكي جاء شاملا، وقد طلب من الحكومة أكثر مما يطلب بالعادة من حكومة مكلّفة فقط بالإشراف على الانتخابات. وكذلك جاء رد الحكومة شاملا، وإن حاول أن يبرز أو بدا موليا الاهتمام لموضوع الانتخابات النيابية والإصلاح أكثر من باقي البنود.
هناك من يعتقد أن الأمور تدار على مستوى أعمق من التخاطب البروتوكولي، وثمة تسريبات عن أن الملقي بدأ مشاورات قبل التكليف بأسابيع، بعد اجتماع تمّ في العقبة بينه وبين كبار مستشاري الملك.
ليس من المريح لصاحب القرار أن تبدّل الحكومة بعد أربعة أشهر، خصوصا إذا أدارت ملف الانتخابات كما هو مرتّب له أن يكون، ومن دون مشاكل. فمن المرجح أن يتم التعديل على الحكومة لتواصل إدارتها للمرحلة المقبلة، فهي حكومة تكنوقراط بنكهة اقتصادية، حيث تسلّم الملف الاقتصادي جواد العناني نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا لوزارة الصناعة والتجارة والتموين. وهذا ما يحفز الفريق الوزاري الجديد أو “المُجَدّد” لأن يعمل بكل طاقته خلال الأربعة أشهر المقبلة ليثبت أنه على قدر الثقة والمسؤولية.
الفرصة السانحة
جاء الملقي وفريقه بعد انتظار طويل من الشارع الأردني، فقد استطاعت الحكومة السابقة أن تستثير الكثير من العداوات لها، فهي حكومة يأخذ عليها الشارع أنها حكومة جباية، والحقيقة أن الظروف التي وافقت وجود حكومة النسور كانت صعبة جدا، كان من أسوأ مطالعها الارتفاع في أسعار النفط، فلم يكن أمامها إلا أن تشد الأحزمة، وتحاول سد العجز بزيادة أو تفعيل التحصيل وضبط النفقات، ما ولّد سخطًا شعبيًا على سياساتها.
اليوم؛ يأتي الملقي ولم يتغيّر الأمر كثيراً، ليواجهه الفتور التقليدي ذاته الذي واجهه سلفه، سواء من قبل مراكز القوى المتمثلة بالطامعين بالرئاسة أو من قبل مراكز الدولة التنفيذية التي تنظر بعين الشّك والريبة إلى كل الرؤساء القادمين من خارج دوائر الدولة البيروقراطية أو العميقة.
لكن هناك من يتفاءل بأن العام 2017 سيكون عامًا منذوراً للانفراج على المستويات كافة؛ المحلية والعربية والإقليمية، ما قد يعطي حكومة الملقي فرصة للعمل والنجاح.

العرب اللندنية

نيسان ـ نشر في 2016-06-05 الساعة 11:22

الكلمات الأكثر بحثاً