باسل العكور.. محامي الشيطان
نيسان ـ نشر في 2016-06-09 الساعة 23:52
إبراهيم قبيلات
بعد وقفه عن العمل في الإخراج لبرنامج (يحدث اليوم) الشهير في حزيران 2006، كلفت إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون عضو مجلس الإدارة، سمير الحياري التفاوض معه، فتعارف الرجلان، وانتجا موقعا إلكترونيا، يحاكي تجربة موقع إيلاف الإلكتروني، صاحب الصيت في ذلك الوقت، ثم شكلا لاحقاً تحولاً مهماً في مسيرة الإعلام.
إنه الصحافي باسل العكور، الذي نجح في وسم المشهد الإعلامي الالكتروني ببصمته الخاصة، بعد أن طرق بابه منفرداً، قبل نحو عشر سنوات، وسط مجتمع إعلامي ينخرط بالصحافة الورقية باعتبارها رافعة الإعلام اليتيمة.
مبكراً، تنبّه العكور إلى أهمية ولادة موقع إلكتروني، يواكب التطور التكنولوجي في العالم، ويشكل رافداً حقيقياً للإعلام الوطني، فكانت عمون.
"امتلاك العكور مخزوناً صحافياً، تحتضنه رؤية مستنيرة ومتماسكة، مكّنه من تقديم منتج إعلامي وازن، طالما تعطش له المتلقي المحلي، الذي قضى صوته في زحمة تحاكي كل شيء باستثناء الحقيقة والمعرفة، باعتبارهما حقاً وأصلاً"، حسب قول الصحافي عدنان برية، الذي يرى أن "المهنية الفاقدة لجرأة قول الحقيقة ليست إلا غثاء لا يسمن ولا يغني". خبرات العكور، في الإعلام المرئي والمسموع، أسهمت في تطوير مقاربة إعلامية جديدة، أدخلت "الملتي ميديا" إلى اللعبة، من دون إغفال للخبر وأدواته؛ فنجح في تحويل الفضاء الإلكتروني إلى ساحات حوار، وتوسيع دائرة المشاركة الإلكترونية وسط مجتمع يخشى في مجمله مجرد التعبير عن رأيه، بعد أن عانى كثيراً حتى بعد أن عادت الحياة الديمقراطية عام 1989.
بدا العكور ذكياً منذ اللحظة الأولى، فقد التقط العطش العام، الباحث عن مورد، لا لينهل منه، بل ليثريه بما يظنه حقيقة غائبة، فنمت الفكرة، وباتت وارفة في فضاء ظل محدوداً عقوداً طويلة، ثم تبع تجربة العكور استنساخ ونمو "كروموسومي" لمواقع عديدة، فشلت في مجملها عن إضافة جديد للنسخة الإلكترونية الأم.
الاب الشرعي للإعلام الالكتروني في الأردن، العكور، متزوج وله من الأبناء ثلاثة؛ زينة وسلامة وسيف الدين، ويحمل درجة الماجستير في العلوم السياسية من الجامعة الأردنية، ما يعني تزاوج السياسي بالصحافي في تحدٍ آخر، يلفظ كل الزوائد الدودية في المهنة، لصالح الإعلاء من قيمتها باعتبارها رافعة حقيقة وبوصلة لا تتوه.
عُرف عن باسل دفاعه الدائم عن الحريات الصحافية وتعزيز استقلاليتها، وهو ما تطلب دخوله في سلسلة من الاعتصامات والاحتجاجات إلى جانب الغيارى على روح المهنة من أبنائها ومحبيها. يقول العكور لصحيفة نيسان "اشتغلت الحكومة على قاعدة التوسع الأفقي لمنع النمو العامودي للمواقع ونجحت في مسعاها". التحول المهم بالنسبة للعكور يكمن في رفضه ثنائية "المساومة" و"المقايضة" لصالح تكريس ثقافة حرية الرأي والتمسك برسالة الإعلام ودوره، فأطلق موقعه الإلكتروني "24 جو" (JO24.com) أواخر آذار – مارس 2012، بعد أن باع حصته في عمون لزميله سمير الحياري. للمفارقة، احتفل العكور بمضي العام الأول من عمر موقعه الوليد في "خيمة اعتصام"، كانت قد أقيمت (بين شباط/فبراير ونيسان/ابريل 2013) إثر فصل الزميل عدنان برية من صحيفة "العرب اليوم"، وهي مفارقة ذات دلالة عميقة في الوسط الإعلامي.
في موقعه الوليد، استأنف العكور مسيرته الإعلامية مدخلاً عليها أدوات تكنولوجية جديدة تعزز مهنيتها، سيما وأن قانون المطبوعات والنشر شكّل تحدياً حقيقياً ليس للعكور فقط، بل لكل من رأى في القانون تحجيماً للحرية وتقزيماً لدور الصحافي.
يواصل العكور مشواره في مواجهة القانون مع آخرين؛ رفضاً لتقييد الإعلام وتكميم أفواه زملائه الصحافيين، حتى التزمت الحكومة في جنيف بإجراء 15 تعديلاً على قانون المطبوعات والنشر، بناء على طلب مجلس حقوق الإنسان أواخر 2013، لكن القصة لم تنته بعد والمشوار يبدو طويلاً.
يرى العكور المشهد اليوم بائساً، بعد أن غدت الحريات في أسوا حالاتها، يقول "جاء قانون الجرائم الإلكترونية ليقوض الحصن الأخير والمنجز الأهم في مهنتنا، وهو عدم توقيف الصحافيين، الذي أعاده قانون الجرائم الإلكترونية، في مادته رقم 11.
زملاء العكور يقرأون المشهد من بعيد، وبزواياه المتعددة. المهم بالنسبة لهم أن زميلهم نجح مبكراً ليس فقط في الإعلام الإلكتروني، بل أيضاً في الإذاعات والتفزيون. يقولون "عبّد الرجل طريق النجاح أمام كثيرين"، مستذكرين مشوار زميلهم في التلفزيون، حين تمكن العكور في برنامج "يحدث اليوم"، من كسر "التابوهات" أمام الإعلام الرسمي لصالح الفكرة الإعلامية وإنضاجها بعيداً عن المؤثرات الرسمية وضغوطاتها.
وفي الإذاعات ايضا أعاد العكور إنتاج فكرة البرامج الخدمية، فوضع لمساته في برنامج "بصراحة مع الوكيل" على راديو (فن اف ام) الذي أعاد الاعتبار للبرامج الخدمية، كما ساهم أيضاً بتأسيس برامج صباحية أخرى على راديو البلد وراديو المدينة. "وفّقتُ في صناعة أسماء في الساحة المحلية أصبحت اليوم نجوماً يستحيل إنكارها"، يقول العكور، الذي فصل من التلفزيون الرسمي عام 2007، إثر رفضه التدخل في محتوى وهوية برنامجه.
بالنسبة للعكور فإن طريق الصحافة واضحة، ولا تحتمل التخمين، فإما المصلحة العامة، وتعزيز رسالة الإعلام، أو توظيف الإعلام كرفّاس للوصول إلى مواقع اجتماعية وأهداف شخصية تبتعد كثيراً عن أصول المهنة ومرتكزاتها.
بوضوح يقول العكور "هي مهنة لا تقبل المساومات والمقايضات والتوجيهات والإملاءات، فإما أن تكون صحافياً مستقلاً أو ابحث لك عن وظيفة أخرى". المشهد الإلكتروني ذهب اليوم بعيداً عن رؤية العكور وفلسفته، بعد أن دخل التجار ولبسوا قفازاتهم الإعلامية، لكن لزميله عدنان بريّة وجهة نظر أخرى يضعها على طاولة الجميع. يقول بريّة "تشكل القيمة الاجتماعية والوضع المالي هاجساً لمجمل الصحافيين، لكن ذلك لا يشرعن الابتزاز لضمان مجرد البقاء".
يميّز بريّة بين "الدور الوظيفي" للإعلام، المرتكز على "الإخبار بالحقيقة"، و"التحريض على المصلحة الوطنية"، وبين "العمل في الإعلام"، باعتباره "مصدراً للترزق والعيش"، ورغم إقراره بعدم تعارضهما، إلا أنه يشترط لهذا "توفر ثنائية: العقل المعرفي، والروح المقاتلة"، وهما ما توفرا لدى باسل العكور، وفق قوله.
وكيف يكون ذلك؟.
يجيب برية، الذي فصل هو الآخر من صحيفة "العرب اليوم" لاعتبارات متعلقة بتكريس ثقافة الحريات في المؤسسات الصحافية، : "اليوم، لم يعد هناك طريق واحد أمام الصحافيين، لا بل بإمكانهم القيام بواجبهم من دون أن يضطروا للإخلال بروح المهنة وقيمها وأخلاقياتها، النجاح ممكن التحقيق بالعمل الجاد والبعيد عن السقطات". "سقطات"، يراها الصحافي ركان السعايدة المُهَدِد الأبرز لحجر الدومينو في الإعلام برمته، وليس في الإلكتروني فقط، ويقول "لا يمكن اليوم استغفال الشارع..، المادة الصحافية وحدها من تنشئ علاقة عضوية بين المؤسسة والمواطن، وعلينا أن نحسن صياغتها وفق أدق المعايير المهنية".
السعايدة يقرن انطلاقة الفضاء الإلكتروني بالتقاطة زميليه؛ العكور والحياري اللذين أماطا اللثام عن عتمة المواقع الإلكترونية وأنتجا عالماً افتراضياً، أغرى آخرين على دخول الغرفة.
انحياز العكور المطلق لقضية الحريات، بعامة والحريات الصحفية والإعلامية بخاصة، وراء تشكيل حالة إعلامية تهتم بالمنجز الصحافي، دون أن تغفل القيم والرؤى كمحددات للأخبار ومنطلقات للمعالجات الصحافية، يقول السعايدة.