اتصل بنا
 

ضد الرمادية والاجتزاء

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2016-06-15

الإدانة الشاملة لانتهاكات حقوق الإنسان والحريات هي الخطوة الأولى لمقاومة الإرهاب والفاشية والاستبداد. الفاشية تستغل الإرهاب لترويج خطاب الكراهية ضد الآخر، وتدعو إلى تطبيق سياسات الطرد والفصل العنصري، مما يمكن الإرهابيين ونظرائهم المتطرفين من اصطناع عداوات إضافية وإنتاج مبررات أكثر فسادا للاستباحة والعنف. بعض الحكام في بلاد العرب يورطون أجهزتهم العسكرية والأمنية في ممارسة الاستبداد.
نيسان ـ

إزاء الجنون المحيط بنا لن تذهب بنا المواقف الرمادية بعيدا، ولن يسعف مجتمعاتنا للخروج من ظلمات الخطر والخوف والدم الراهنة سوى الإدانة الشاملة لكل انتهاك لحقوق الإنسان والحريات. فجرائم الإرهاب والفاشية والاستبداد هى التى تصنع تلك الظلمات وتزج بنا إلى غياهبها، وإدانة الانتهاكات هى الخطوة الحقيقية الأولى للبحث عن سبيل للخروج وعن وسائل فعالة لمقاومة سطوة الإرهابيين والفاشيين والمستبدين.

زيفا باسم الدين، لكن باسم الدين، ترتكب مذبحة إرهابية بشعة فى مدينة أورلاندو فى الولايات المتحدة الأمريكية. زيفا باسم الدين، لكن باسم الدين، تتعالى أصوات إرهابية وفاشية تتشفى فى الضحايا الأبرياء لكونهم تواجدوا فى ملهى للمثليين جنسيا وتسوق الفاسد والمتهافت والعنصرى من الآراء لتبرير المذبحة وإعفاء القاتل عبر الإدانة غير الأخلاقية للضحية. زيفا باسم الدين، لكن باسم الدين، تنتهك داعش وغيرها من عصابات الإرهاب يوميا وفى أماكن تتجاوز حدود بلاد العرب المنكوبة حق الإنسان المقدس فى الحياة. زيفا باسم الدين، لكن باسم الدين، ينتقص من حقوق وحريات البعض ويتعقب أمنيا البعض الآخر ويلقى البعض الثالث وراء الأسوار لكونهم خرجوا على الإجماع المتوهم لمجتمع «فضيلة» يراد هندسته قسرا وقمعا وعنفا.

تعويلا على مضامين صريحة الفاشية، يستغل غوغائيون ومتطرفون الإجرام الإرهابى الذى تتورط به أقلية ممن يوضع الإسلام فى خانات ديانتهم فى شهادات الميلاد أو فى بطاقات الهوية الشخصية لاصطناع رابطة عضوية متوهمة بين الإرهابى والمسلم. تعويلا على الفاشية، يروج عنصريون كترامب فى الولايات المتحدة وسياسيو الحركات والأحزاب اليمينية المتطرفة فى أوروبا لخطاب الكراهية ضد الآخر ذى الأصول المسلمة أو العربية (خاصة ضعفاء المسلمين والعرب الذين يجبرهم العنف والظلم والفقر على الارتحال والبحث عن الملاذات الآمنة) الذى هو عنصر أصيل فى مجتمعاتهم التى يستحيل إنكار تعدديتها وتنوعها. تعويلا على الفاشية، يدعو هؤلاء المرضى إلى تطبيق سياسات الطرد والمنع والفصل العنصرية ولا يرتبون بذلك سوى تمكين الإرهابيين ونظرائهم المتطرفين المتحدثين زيفا باسم الدين من اصطناع عداوات إضافية وإنتاج مبررات أكثر فسادا لاستباحة الدماء والعنف.

إمعانا فى ممارسة الاستبداد، يورط بعض الحكام فى بلاد العرب أجهزتهم العسكرية والأمنية أو عصاباتهم الطائفية والمذهبية فى جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية بينما يدفع حكام آخرون بذات الأجهزة إلى ارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان والحريات. إمعانا فى الاستبداد، يقتل مئات الآلاف فى سوريا وتراوح العراق بين مذابح داعش وجرائم ميليشيات الحشد الطائفية وتنفذ الإعدامات الجماعية فى السعودية وتنتج آلة التعذيب فى مصر ضحايا تستطيل قوائم أسمائهم دون توقف. إمعانا فى الاستبداد، لم تعد الحكومات الديكتاتورية تبحث عن ذرائع وإن واهية لجرائمها التى يتغنى بها البعض فى موقع كانتصارات «للجيش العربى السورى» وفى موقع آخر «كدفاع عن العراق الديمقراطى»، ولم تعد الحكومات السلطوية تتخفى من وراء ستار وهى تنتهك حقوق وحريات من يوصمون بالخيانة والتآمر وتستصدر لهم أحكام الإعدام الجماعية ويتم تجريدهم من كل قيمة أخلاقية وإنسانية ووطنية ويحضر تداخل كارثى للاستدعاء الزائف للدين ولعنصرية المقولات الفاشية ولاستعلاء المستبدين.

ليست مذبحة أورلاندو فقط، ليست فاشية ترامب وحدها، ليس تعقب غير الصائمين فى مصر دون غيره. بل هو الخط المستقيم الذى يربط بين جرائم الإرهاب والفاشية والاستبداد وانتهاكات أربابهم للحقوق والحريات فى كل مكان، لا فارق هنا بين بيروت وباريس أو بين سيناء وأورلاندو، لا فارق هنا بين من يقبعون وراء الأسوار لأسباب سياسية وبين المتهمين بازدراء الأديان، وبين إلصاق هوية الإرهابى بعموم المسلمين والعرب كما يفعل ترامب ونظرائه .

الشروق

نيسان ـ نشر في 2016-06-15


رأي: عمرو حمزاوي كاتب مصري

الكلمات الأكثر بحثاً