اتصل بنا
 

حالة أردنية وأمثولة باكستانية

نيسان ـ نشر في 2016-06-16 الساعة 17:29

اعتقال أستاذ للشريعة في الأردن بسبب انتقاده لمشاركة الأردن في التحالف وإساءته للعلاقات مع العراق، ويثير تساؤلات حول كفاءته ونباهته في النظر إلى الأحداث الجارية في سوريا وداعش.
نيسان ـ

يتحدّث أستاذٌ للشريعة في الجامعة الأردنية، متخرّج من جامعة بريطانية، اسمه أمجد قورشة، أمام جمعٍ أمامه، في معرض مديحه "داعش"، إنّ أفراداً في التنظيم المذكور ربما "يُستسقى منهم الغمام". ولا يذكُر النظام السوري إلا موصوفاً بأنه "علويٌّ طائفيٌّ نصيريٌّ كافر"، ويمحض "الإخوة في جبهة النصرة" تقديراً خاصاً. ينشط هذا الرجل في برامج تلفزيونية وفي بث خطاباته في "يوتيوب"، ويتوجّه إلى قيادات المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخبارية في الأردن بنصائح وفيرةٍ، من جديدها أن "لا يسمحوا للأميركان بأن يضحكوا عليهم". ويتحدّث باستفاضةٍ عن مسلمين أبرياء يموتون في سورية، في حملة التحالف الدولي ضد "داعش"، فيما "هدمُ الكعبة أهون عند الله من إراقة دم مسلمٍ واحد"... حدث، الأسبوع الجاري، أن الأجهزة الأردنية المختصة اعتقلت هذا الشخص، وقرّرت توقيفه خمسة عشر يوماً، على ذمة التحقيق، لانتقاده مشاركة الأردن في التحالف، ولإساءته إلى العلاقات مع دولة شقيقة (العراق). والعجيب، في حالته هذه، أنك لا تملك إلا أن تتعاطف معه في أسباب توقيفه، إذ من حق المواطن الأردني أن يعبّر عن رأيه فيما يخصّ مشاركة بلاده في حملةٍ عسكريةٍ خارجية، وأيضاً في ما يتعلق بسياسات أي دولةٍ، شقيقة أو صديقة. والمفارقة أن ما يتفوّه به الدكتور قورشة، في شأن "داعش" وجبهة النصرة وسورية، وأمام مستمعيه غير القليلين في محاضراته وبرامجه التلفزيونية ورسائله المصوّرة، كافٍ لاستنطاقه والتحقيق معه، وإعمال القانون بشأنه، وإذا صحّ أنه يبث كراهيةً ضد المسيحيين، وبلغةٍ طائفية، (كما يذكر منتقدوه)، فذلك مما يوجب أيضاً محاكمته.
يرى أمجد قورشة، وهو المدرّس في أهم جامعات الأردن، أن سارقي السيارات وتجّار المخدّرات أخطر من داعش، وأوْلى بأن تتم محاربتهم.. تُرى، أيُّ منهج علميٍ درسَه في الجامعات التي حصل فيها على شهاداته، (جامعة بيرمنغهام إحداها)، وجعله ينظر في هذا الأمر بهذه العين الحولاء؟ وأيُّ كفاءةٍ لديه، أهّلته ليصير مقدّم برنامج دعوي في التلفزيون الأردني، وهو الذي لا يرى في النظام السوري غير نصيْريّته وعلويّته، على ما يزعم؟ أيُّ نباهةٍ فيه جعلته يحوز فائضاً من مديح أساتذته وطلابه وأنصاره، وهو الذي يحسم أن أميركا تخطط لتفجيراتٍ في الأردن؟
جاء خبر توقيف قورشة موصولاً بأفكاره الألمعيّة مثل هذه، الاثنين الماضي، فيما كانت وكالات الأنباء تطيّر خبراً يغسِل السويداء التي يُحدثها في النفس أمر هذا الرجل. موجز الخبر أن السكان المسلمين في قريةٍ فقيرة في ولاية فيصل أياد في باكستان بدأوا يجمعون تبرعاتٍ لبناء كنيسةٍ صغيرةٍ لأترابهم السكان المسيحيين في القرية نفسها (عشرون عائلة) وأن عملية البناء بدأت، وذلك لأن هؤلاء يستأجرون منزلاً يقيمون فيه صلواتهم في المناسبات والأعياد المسيحية. وفي التفاصيل أن في القرية أربعة مساجد، وأن المطلوب لبناء الكنيسة الصغيرة سبعة آلاف دولار، وقد تم جمع 1500 دولار، حتى نشر هذا الخبر الذي وفد إلينا من باكستان، البلد الذي يعرف أجواءً من الاحتراب الطائفي معلومة، وحوادث استهداف المسيحيين (نسبتهم 3% من السكان) فيه، وكذا الصدامات بين الشيعة والسنة، غير قليلة.
مؤكّدٌ أن بادرة فقراء القرية الباكستانية هذه لا يستطيبها أمجد قورشة، أكان محتجزاً أو حرّاً يزاول إعجابه بجبهة النصرة، وهو الذي يرى في "داعش" أفراداً "يُستسقى منهم الغمام". ولا نظنها وجدت استحساناً ممن تستوطن الداعشية في مداركهم وأفهامهم، ممن بسطوا، في اليومين الماضيين، أرطالاً من تشفّيهم المقيت بالضحايا الخمسين في اعتداء أورلاندو في أميركا. والمرجّح أن غبطة هؤلاء بالجريمة كانت ستصير نفسها لو أن الضحايا غير مثليين. والمؤكد أن أسفاً شديداً سيُصابون به لو ثبت أن داعش غيرُ ذي صلةٍ بالواقعة، ذلك أن بيارق هذا التنظيم الإرهابي السوداء تبهجهم، إذا باغتت الكفار في أورلاندو من حيث لا يحتسبون، أما دفء أولئك الفقراء البديعين في القرية الباكستانية فلا يستحقّ انتباهاً ولا ثناءً.

نيسان ـ نشر في 2016-06-16 الساعة 17:29


رأي:

الكلمات الأكثر بحثاً