اتصل بنا
 

رياضات الكرملين

نيسان ـ نشر في 2016-06-19 الساعة 16:52

تصاعد التمييز العنصري والقومي في كأس أمم أوروبا وتحوّل الهوليغنز الروس إلى أداة سياسية للحكومة البوتينية.
نيسان ـ

تتصارع فرق أوروبية، ومن لاذ بها على كأس أمم أوروبا في فرنسا هذه الأيام، في جو أمني متوتر، نتيجة الخشية من إرهاب العصابات الكامنة والذئاب المنفردة. كما يُحيط بهذه التظاهرة التي يُفترض أن تكون احتفاليةً شحنٌ عنصري/ قومي، بدأ بإظهار قوته بلا خجلٍ ولا وجل على الساحة العامة في أوروبا عموماً، فبدا أن التعبيرات التشجيعية تطورت سلباً باتجاه التمييز العرقي، أو القومي، أو حتى الطبقي، بين مختلف الفرق المشاركة. تمييزٌ ليس علنياً بالتأكيد، لكنه يُستَشَف من متابعة تصريحات بعض المشجعين، كما يتم إثباته من متابعة تصرفات بعضهم الآخر. وما الصدامات الدموية التي جرت بين عصاباتٍ منظمة من "الهوليغنز" الروس مع مشجعين إنكليز إلا تجسيدا لهذا التحوّل الخطير القائم. وفي حين أن "الهوليغنز" كانت علامةً مسجلةً تقليدياً للمشجعين الإنكليز، إلا أنه، وبعد سنواتٍ من العمل الجاد لروابط المشجعين، كما قوات الشرطة، فقد جرت السيطرة على غالبية عصائبها وحلّها، أو على الأقل، منعها من ارتياد المناسبات الرياضية.
فبعض من الروس، إذاً، مع جرعات القومية والشوفينية والعنصرية التي يشحنها نظامٌ ينشد قرباً في معالمه إلى الفاشية الموسولينية، تعلموا "الزعرنة" المستوردة، وطوّروها بأدواتٍ محليةٍ مليئةٍ بجرعاتٍ عنفيةٍ، تتجاوز بمراحل ما جرت عليه العادة من مشجعين آخرين من أية جنسيةٍ كانوا. وقد أطلقوا، وقبل انطلاق مباريات فريقهم، حروب شوارع في مدينتي مرسيليا وليل، لا شبيه عنفياً لها. وتبين أنهم كانوا مدرّبين على هذا العنف، وجرى تقسيمهم إلى جماعاتٍ مختلفة المهام، ضرباً أو تكسيراً أو ملاحقةً في الأزقة.
وبالتأكيد، هذا التصرف الأرعن، والذي أثبتت التحقيقات بأنه كان منظماً، لا يمكن أن يكون وصماً لشعبٍ أو لقوميةٍ حتماً، بل يجب أن يُنظر إلى بعده السياسي واستغلاله السياسوي من فئة بوتينية حاكمة تسعى، ومن ضمن رؤيتها الاستراتيجية لإدارة العلاقات مع الغرب، إلى استعادة حربٍ باردةٍ، بأدواتٍ متطورةٍ، لإبعاد مجتمعها عن مآسي التخلف الاقتصادي والفساد المنظم والقمع المبطن والسيطرة شبه الكاملة على مساحات التعبير.

وما يُساند نسبياً هذا التقدير هو ما صدر من تصريحات رسمية "هوليغانزية" من الساسة الروس، وفي مقدمتهم مُمارِس العلاقات الدبلوماسية لديهم وزير الخارجية السيد سيرغي لافروف. وقد وصل الأمر بهم إلى استدعاء السفير الفرنسي احتجاجاً على احتجاز الأمن الفرنسي، وقبل انطلاق المباراة الثانية للمنتخب الروسي، وتحسباً من إعادة إنتاج العنف الهائل الذي تم في مرسيليا، حافلة ركابٍ تقلّ مجموعةً مشتبهٌ في أنها من أولئك "المخربين". كما احتجت الإدارة الرسمية في موسكو على قرارٍ اتخذته اللجنة المنظمة باستبعاد الفريق الروسي مع وقف التنفيذ. أي أن الاحتجاج تم على عقوبةٍ رمزيةٍ لم يجرؤ متخذوها، خوفاً من غضب لاعب الكاراتيه في الكرملين، على أن يصيغوها بطريقةٍ أكثر حزماً.
تسارع التحليلات، على أنواعها، إلى تقديم الأسباب المباشرة على الأسباب الكامنة أو المتوارية.
" فيكثر الحديث عن تأثير الكحول واستهلاكه الهائل من بعض فئات المشجعين على تصرفاتهم، وعلى زيادة نسبة العنف في ممارساتهم. وعلى الرغم من صحّة هذا التشخيص للوهلة الأولى، وعلى الرغم من أن استهلاك الكحول بكمياتٍ لا بشريةٍ هو من سمات بعض الفئات العنفية الروسية خصوصاً، كما في غيرها من البلدان الأوروبية، إلا أن التنظيم الدقيق للعمليات يجب أن يؤخذ بالاعتبار، ويُعيد للسياسة دورها في تحليل الرياضة، أو بعض مظاهرها واستغلالاتها.
منذ أسابيع، وقبل انطلاقة المباريات، صدر كتاب مهم ومثير عنوانه "فرنسا الروسية"، للصحافي نيكولا هينان الذي كان "داعش" قد اختطفه عشرة أشهر، واشتهر بعد خروجه بكتابة دراساتٍ تحليليةٍ عن هذا التنظيم، بعيداً عن سرد تجربته الشخصية لديها. وفي هذا العمل الصحافي الجديد والدقيق، يستعرض هينان شبكات التأثير الروسية في فرنسا بأنواعها وأبعادها كافة. وقد قام بتحقيق ذلك من خلال استقصاءٍ حثيث، استلزم أسفاراً عديدة إلى بلاد الموسكوف، كما تنقيباً جدّياً في مئات الوثائق، لتوضيح أهمية الاستثمارات الهائلة، البشرية والمادية، التي تخصّصها روسيا الاتحادية اليوم، وهي تتجاوز رقمياً ما كان يخصّصه الاتحاد السوفييتي في حربه الباردة للدولة نفسها. وأوضح الكتاب الذي سيتعرّض، بالتأكيد، لغضبٍ رجيمٍ من أسياد الكرملين وأزلامه، أن هذا السعي يهدف إلى زعزعة الحياة السياسية الداخلية، والسيطرة على بعض الإعلاميين، والتأثير في بعض نواب البرلمان والاحتكاك سلباً بالعجلة الاقتصادية، خصوصاً التسليحية، لضعضعة إمكاناتها التنافسية.
تشير تصريحاتٌ ووثائق خطيرة إلى استثمارات مهمةٍ في أحزاب اليمين المتطرف الفرنسي، كما في مراكز الأبحاث الخاصة. إضافة إلى دعواتٍ إغرائية أبدعت الأنظمة الديكتاتورية في استنباطها شراء ذمم بعض "مفاتيح" الرأي العام في دولٍ ديمقراطية، تناطحها العداء السياسي على الأقل. وما الضغوط السياسية التي يُمارسها بعض ممثلي اليمين المتطرّف، كما اليمين التقليدي، إضافة إلى "دراسات" وكتابات صادرةٍ عن بعض أعضاء اليسار البافلوفي، إلا نتيجة "إيجابية" ومثمرة لهذه الاستثمارات التي يبدو أن القضاء سيبدأ الاهتمام بها عن قرب.
ما فات الكتاب هو الحديث عن سلاح الرياضة، أو بالأحرى المصارعة الروسية التي تؤرق مجريات كأس الأمم الأوروبية، والتي ما زالت في بداياتها.
مشاركة

نيسان ـ نشر في 2016-06-19 الساعة 16:52


رأي: سلام الكواكبي

الكلمات الأكثر بحثاً