اتصل بنا
 

العامل الفلسطيني في انحسار القضية

نيسان ـ نشر في 2016-06-21

تحديات داخلية وخارجية تهدد النظام السياسي الفلسطيني وقيادته، وفوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 أدى إلى انقسام الشعب الفلسطيني وتعرض المشروع الوطني للخطر.
نيسان ـ

منذ تشكّل النظام السياسي الفلسطيني، في أواسط ستينيات القرن الماضي، مع تشكيل منظمة التحرير، وسيطرة الفصائل المسلحة على هذا الإطار التمثيلي الفلسطيني، لم تواجه القيادة الفلسطينية والفصيل الأكبر في الحركة الفلسطينية (فتح) تحدياً جدياً من داخل الساحة الفلسطينية، يمس موقعها القيادي طوال التجربة السابقة، وصولاً إلى العام 2006. وإن كانت هذه التحديات قد جاءت، في بعض مراحل التجربة الفلسطينية من بعض الدول العربية، وكانت هذه التحدّيات الآتية من خارج النظام السياسي الفلسطيني، تهدّد كل التجربة الفلسطينية، لا قيادتها التاريخية فحسب.
بدأ الوضع في الانقلاب في الساحة الفلسطينية، في سنوات الانتفاضة الأولى، والحركة التي كانت تشغل الموقع الأول بلا منازع، جاءها التحدّي من داخل الساحة الفلسطينية، ومن خارج منظمة التحرير. فقد بات واضحاً أن حركة حماس ليست فصيلاً يسعى إلى محاصصة على نسبة كبيرة أو صغيرة على نظام الكوتا الذي ساد الساحة الفلسطينية، بل باتت تسعى، وبكل قوة، إلى السيطرة على النظام السياسي الفلسطيني وقيادته، حسب توجهاتها السياسية. كانت تجربة الانتخابات التشريعية التي تلت وفاة الرئيس ياسر عرفات الفرصة المواتية لحركة حماس، لتختبر وزنها في الساحة الفلسطينية، خصوصاً أن "فتح" كانت تمر في أضعف حالاتها بعد وفاة قائدها التاريخي، والذي كان وجوده يغطي على مشكلات كثيرة كانت تعرفها الحركة، وانكشفت برحيل الرجل.
لم يكن أحد يتوقع أن تفوز "حماس" بأغلبية كبيرة في انتخابات المجلس التشريعي العام 2006، وكانت النتائج مفاجئة حتى للحركة نفسها، لكنها أفرزت واقعاً جديداً، اعتبرته "حماس" تفويضاً لها من الشعب، يمنحها الأفضلية على الآخرين، بمن فيهم حركة فتح التي صُدمت بنتائج الانتخابات، والتي كانت خلافاتها، ومنافسة رجالاتها بعضهم بعضاً، وحالة الفوضى التي سادت الحركة، أحد أهم الأسباب التي أدت إلى فوز "حماس" بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي وخسارة "فتح".
"لم يُفقد الانقسام الشعب الفلسطيني عنوانه السياسي الموحد فحسب، بل أدخل كل القضية الوطنية في متاهة الصراعات الفئوية الرديئة أيضاً، وهو ما يهدّد المشروع الوطني الفلسطيني كله بالزوال"
ولأن الوقائع في التجربة الفلسطينية تَجُّبُ ما قبلها، فقد اعتبرت حركة حماس أن من حقها أن تدير النظام السياسي الفلسطيني، وعلى "فتح" أن تقبل هذا الواقع، وبالتالي، على نتائج الانتخابات أن تعكس نفسها على كل المؤسسات الفلسطينية، بما فيها منظمة التحرير. وهنا وقعت حركة حماس في عمى الانتصار، من دون أن تدرك أن النظام السياسي الفلسطيني ليس المجلس التشريعي فقط، وأن الساحة الفلسطينية معقدّة بحكم تداخل المؤسسات وتداخل الفاعلين السياسيين من الداخل والخارج.

وعلى عكس الوظيفة السياسية للانتخابات في العالم، والتي يتم اعتمادها لحل الخلافات السياسية سلمياً، كانت الانتخابات الفلسطينية في العام 2006 المؤسس لحالة الصدام المسلح بين الطرفين الذي شهده قطاع غزة في العام التالي للانتخابات، وأدى إلى الانقسام الفلسطيني لسلطتين. الجديد الذي كرّسته تلك الانتخابات، والاقتتال الذي جرى بعدها، هو أنها أسست للصراع الداخلي الفلسطيني، فالدماء الفلسطينية التي سالت في غزة بنيران الإخوة كانت العنوان الذي أسس لطبيعة الصراع التالي، والذي عمل على إضعاف الطرفين اللذين خرجا أصلاً من الانتفاضة الثانية منهكين. وبات الصراع على الوجود وإلغاء الآخر واتهامه بكل التهم الممكنة هو الطاغي على الساحة الفلسطينية.
لا شك أن دخول "حماس" على النظام السياسي الفلسطيني جاء في لحظةٍ مواتيةٍ لها، وفي لحظةٍ كانت منافستها الفلسطينية "فتح" تعاني من أزماتٍ كانت غير قادرة على الخروج منها. فقد اختارت "حماس" دخول اللعبة السياسية في ظل خسارة حركة فتح قائدها التاريخي ياسر عرفات الذي شكل نقطة التوازن داخل الحركة. وفي فترة عانت فيها هذه الحركة من انقساماتٍ وخلافاتٍ في وجهات النظر، حتى أنه لم يمكن الحديث حينها فعلياً عن "فتح" موحدة. وكانت الخلافات تمتد عميقاً داخلها، بين اتجاهات متباينة المواقف، واتجاهات متباينة المصالح، وخلافات بين أجيال في الحركة من أعمار مختلفة، وخلافات شخصية لا تقل خطورةً عما سبق، لكن اللحظة التي وجدتها "حماس" مواتيةً لها، لم تكن مواتيةً للساحة الفلسطينية.
على الرغم من إقرارها شكلياً بنتائج الانتخابات، لم تقبل حركة فتح بنتائج الانتخابات فعلياً، فقد عملت على محاصرة حركة حماس بحجج مختلفة، ما صَعّد الموقف في قطاع غزة، وصولاً إلى الاقتتال الذي يتحمل الطرفان المسؤولية عنه، وكل متابع كان يرى عنوان "الاقتتال قادم" مكتوباً على الحائط، وقد سار الطرفان إليه بعيون مفتوحة، ليؤسّسا لوضع فلسطيني منقسم ومشتت وضعيف. يعمل الطرفان، منذ ذلك الوقت، على دفعه إلى مزيدٍ من الضعف والتشتت، في وقتٍ مرّت القضية والوضع الفلسطيني في ظروفٍ كثيرة صعبة كان يمكنها أن تردع الطرفين. لكن، لا أحد من الطرفين يرى قضية الشعب أهم من مصالحه الفئوية.
كرّس الاقتتال الدموي الفلسطيني سياسةً إلغائية عند الطرفين، حيث بات منع كل طرفٍ الطرف الآخر في المنطقة التي يسيطر عليها مسألة طبيعية، فباتت "فتح" ممنوعة في قطاع غزة، وباتت "حماس" ممنوعة في الضفة الغربية، وبفعل قرارات "وطنية" فلسطينية. وأسس هذا الواقع لعلاقات داخلية فلسطينية / فلسطينية لم يشهدها النظام السياسي الفلسطيني من قبل، وباتت مفاوضات المصالحة الفلسطينية مرشحة لرقم قياسي في سنوات المفاوضات، تفوق الرقم القياسي الذي قطعته المفاوضات مع إسرائيل.
، بفعل سياساتٍ لا ترى سوى مصالحها الفئوية. ولأن الأسوأ ممكنٌ دائماً، فليس غريباً أن يدخل الوضع القائم الفلسطينيين في متاهةٍ تؤسس لنكبةٍ جديدة، في ظل أوضاعٍ وطنيةٍ وإقليميةٍ ليست في مصلحة الفلسطينيين. ولن يبدو أن لا أحد مشغول بالمصير الوطني الذي ينحدر أمام أعيننا إلى الهاوية. في الوقت الذي لا حياة لمن تنادي، فالفصلان الممسكان برقبة الشعب الفلسطيني يعيشان في عالم آخر غير هذا الذي نعيش فيه.

نيسان ـ نشر في 2016-06-21


رأي: سمير الزبن

الكلمات الأكثر بحثاً