اتصل بنا
 

عودة خاطفة إلى حرب تموز

نيسان ـ نشر في 2016-07-20 الساعة 16:35

اكتمال عقد حرب تموز/يوليو 2006 في لبنان يعيد النظر في تداعياتها، ويشير إلى أن قادة الجيش الإسرائيلي كانوا مخطئين في تقديرهم للموقف، وأن فشل الجيش الإسرائيلي في الحرب أدى إلى تآكل الرصيد الأهم بالنسبة لأمن إسرائيل القومي، وأن الحرب كانت معركة على عنصري الوعي والردع.
نيسان ـ

اكتمال عقد على حرب تموز/ يوليو التي شنتها إسرائيل عام 2006 في لبنان هو مناسبة لاستعادة أبرز تداعياتها بشكل خاطف، ولا سيما فيما يتعلق بعدة استنتاجاتٍ تم الخلوص إليها، تحيل إلى حروبٍ أخرى اندلعت بعدها، وخصوصاً في قطاع غزة، بقدر ما تحيل إلى الزمان الراهن.
أحد هذه الاستنتاجات، وقد يكون أكثرها أهميةً، أشار أصحابه إلى أنه قبل هذه الحرب تمسّك قادة الجيش وأصحاب القرار السياسي في إسرائيل بمفهومٍ، تبين أنه خطأ إزاء مسألتين: أولاً، أنّه لن تكون هناك حاجة لمقاتلة حزب الله على نطاق واسع، وفي حال وقوع عملياتٍ عسكريةٍ في جنوب لبنان فستكون "قصيرة ومحدودة". ثانيًا، إذا ظهرت، مع ذلك، حاجة إلى شنّ حربٍ كهذه، سينجح الجيش الإسرائيلي، خلال أيام معدودة، في تحطيم هذه المنظمة، وتفكيك قيادتها، والتأدية إلى إنهاء الحرب، بشروطٍ مريحة لإسرائيل.
وذهب استنتاج آخر، ليس أقلَّ أهمية إلى أنه مثلما أفضت حرب حزيران/ يونيو 1967 إلى تغيرٍ يُعدّ إستراتيجيًا في منطقة الشرق الأوسط، وإلى ترسيخ مكانة إسرائيل دولةً إقليمية عظمى، أدّت حرب تموز 2006 إلى عمليةٍ معاكسة، حيث أن فشل الجيش الإسرائيلي في القتال تسبب بتآكل الرصيد الأهم بالنسبة لأمن إسرائيل القومي، والمتمثل بصورة الدولة القوية الجبارة التي تمتلك جيشاً ضخماً وقويّاً ومتطوراً قادراً على ضرب أعدائه، وتوجيه ضربات ساحقةٍ لهم إن تجاسروا فقط على التحرّش بها. وبموجب استنتاجٍ ثالث، كانت تلك الحرب بمثابة معركةٍ على عنصري "الوعي" و"الردع". ورأى كُثر أن إسرائيل مُنيت بالفشل في الأمرين.
بخصوص عنصر الوعي، لم تعد بعد الحرب أي أهمية قطّ لقوة الجيش الإسرائيلي الحقيقية، أو للقول إن الجيش الإسرائيلي استخدم نسبة صغيرة فقط من قوته، وإن لديه أسلحة متطورة في ترسانته العسكرية لم تجد تعبيراً عنها، فالأمر المهم فعلاً تمثل بصورة الجيش الإسرائيلي، وعملياً صورة إسرائيل في نظر الطرف الذي تقاتله، وفي نظر الخصوم الآخرين في المنطقة.
أمّا نجاح الردع الإسرائيلي، فكان مستنداً، حتى تلك الحرب، في قراءة دولة الاحتلال، إلى "استبطان" الجهات التي تحاربها، بأنها ستدفع ثمناً باهظاً جدّاً إذا مسّت بإسرائيل. هذا الأمر حال، على سبيل المثال، منذ 1967، وحتى خلال الحروب، دون إطلاق صواريخ سورية نحو العمق الإسرائيلي، حيث كان هناك خوف من توجيه إسرائيل ضرباتٍ قاسية إلى دمشق، وغيرها من المدن السورية المركزية. لكن، في أثناء حرب تموز، تم إطلاق أكثر من ثلاثة آلاف صاروخ على الجليل وحيفا وحتى الخضيرة، من دون أن تتمكّن إسرائيل من جباية الثمن من أي أحد، ما عرّض الردع الإسرائيلي إلى مسّ كبير. وتنسحب هذه الاستنتاجات على جميع الحروب اللاحقة التي شنتها إسرائيل على غزة، وكان آخرها في صيف 2014.
وفي ما يخص "قوة الردع الإسرائيلية"، يجدر أن نستعيد آراء خبراء إستراتيجيين، ومنهم إسرائيليون، تؤكد أن إسرائيل لا تملك قدرة ردع منذ ما قبل حرب 1967. فهذه الحرب اندلعت على الرغم من الإنجاز الإسرائيلي في الحرب التي سبقتها (حرب السويس 1956). كما أن حرب الاستنزاف، في أواخر ستينيات القرن العشرين، اندلعت بعد الإنجازات الإسرائيلية العسكرية في حرب حزيران. ويسري هذا الحكم على حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وعلى ما تلاها من حروب ومواجهاتٍ، وصولاً إلى حرب تموز 2006. وعلاوة على ذلك كله، فإن امتلاك إسرائيل السلاح النووي لا يردع أحدًا.
أخيراً، نعيد إلى الأذهان أن المعلق العسكري الإسرائيلي الأبرز، زئيف شيف، قال بعد الحرب "إننا تلقينا صفعة". ورأى خبير آخر في الشؤون الإستراتيجية أن المصطلح الأكثر ملاءمةً يبدو أنه "ضربة قاضية". وبرأيه، انحفرت حرب 1973 في الذاكرة حدثاً انعطافياً تصدّعت في عقبيه ثقة الجمهور بجيش الاحتلال. وتساءل فيما إذا كانت حرب تموز سيتم استذكارها كخط انكسارٍ يصحو الجمهور في إثـره من وهم القوة العسكرية الإسرائيلية غير المحدودة؟.
ليس بعد.

نيسان ـ نشر في 2016-07-20 الساعة 16:35


رأي: أنطوان شلحت

الكلمات الأكثر بحثاً