اتصل بنا
 

أميركا في الحدث التركي

نيسان ـ نشر في 2016-07-23 الساعة 12:11

الانتظار المرحلي الأميركي واستهلاكيتها في الأحداث الدولية
نيسان ـ

أظهرت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، الأسبوع الماضي، صورةً أميركيةً متجدّدة. صورة اعتاد الأميركيون على نسجها كل حين، وفقاً لمنطق "الانتظار حتى جلاء الصورة". وهو منطقٌ بات متماهياً مع مختلف المواقف الأميركية، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). وتعكس حالة الانتظار المرحلي الأميركي هذه مدى "استهلاكية" الولايات المتحدة، لا رأسماليتها أو براغماتيتها.
في الحدث التركي، تريّثت واشنطن، قبل أن تقرّر، بخجلٍ، دعمها الحكومة المنتخبة ديمقراطياً، في إشارةٍ توحي بأنها كانت "تتمنى نجاح الانقلاب"، من دون أن يعني ذلك "مشاركتها فيه"، أقلّه وفقاً للتحقيقات الرسمية التركية مع الانقلابيين. بعد ذلك، زادت من وتيرة تصريحاتها، في سياق التحذير من "موجة اعتقالاتٍ وعزل شاملة" في أنقرة. وتتجلى انتهازية الولايات المتحدة أيضاً في مسألة الداعية فتح الله غولن، الساكن في ولاية بنسلفانيا، والمطلوب الأول في الجمهورية التركية. تعمل الولايات المتحدة على "تنفيس" الغضب التركي، عبر استخدامها أدبيات "الطمأنة" و"إعلان النية عن التعاون في التحقيقات"، وغيره من العبارات الدبلوماسية.
في الواقع، لا تقوم الولايات المتحدة، بما هو مختلف عن تقليدياتها. في الملف السوري، لم تحسم أمرها من رئيس النظام بشار الأسد، لا بل امتنعت عن تقديم دعمٍ فعلي للمعارضة السورية، بل ارتأت التصرّف باعتبارها من أطراف الصراع، بدعمها تنظيماتٍ متفرقة عسكرياً، في مقابل الضغط على المعارضة سياسياً، عبر التعاون مع الروس، لإنجاح صفقة تُمهّد لـ "جنيف" حاسم، وغير مريح للشعب السوري.
في الملف الإيراني، انتظر الأميركيون مآل الثورة الإسلامية في 1979. لم يحسموا أمرهم فعلياً بين الشاه محمد رضا بهلوي والخميني، ما أدى إلى خروجهم من طهران، مؤقتاً، قبل اتفاقات السلاح السرية في حرب الثمانينيات بين إيران والعراق، ثم توقيع الاتفاق النووي العام الماضي.
في الملف الكوبي، لم يكن الأميركيون بعيدين عن فيدل كاسترو ورفاقه، مع بدء الثورة الكوبية في 1959، وسعوا إلى الحفاظ على المصالح التجارية والاقتصادية، بعيداً عن الوضع السياسي. لم يتمكنوا من فعل ذلك، فخرجوا، قبل العودة أخيراً، وبعناوين اقتصادية.
في الملف المصري، وجد الأميركيون نفسهم بالقرب من الرئيس المعزول، محمد مرسي، ثم الحالي عبد الفتاح السيسي. لم يجدوا خطأ في تأييد الرئيسيين، وقبلهما الرئيس المخلوع حسني مبارك.
لا تندرج الأفعال الأميركية، أو تاريخ الحراك الدبلوماسي الخارجي فيها، في سياق فعلٍ حزبيٍّ ما، جمهورياً كان أم ديمقراطياً. الأميركيون هم الأميركيون: المصالح التجارية أولاً. فلو نجح الانقلاب التركي، مثلاً، وأعدم الانقلابيون تسعة آلاف شخص، وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان، وفقاً لاعترافات المعتقلين، ثم عمدوا إلى إصدار بيانٍ أعلنوا فيه أن "المصالح الأميركية ليست في خطر، وأنها آمنة"، حينها قد لا يصل سقف التصريحات الأميركية إلى أبعد من الاستنكار والتنديد.
كما كشف الحدث التركي انعدام التأثير الأوروبي. وهو أمر لا يُمكن تجاهله، في مرحلة إعادة التموضع السياسي داخل الاتحاد الأوروبي، على خلفية الانفصال البريطاني. بات الأوروبيون خارج اللعبة في أوكرانيا حتى، خصوصاً مع فرض الروس شروطهم في موضوع الغاز العابر إلى أوكرانيا إلى أوروبا، ومع اهتزاز الوضع السياسي الداخلي في كييف، بفعل التغييرات الحكومية الأخيرة. بالتالي، جلّ ما يُمكن فعله في تركيا أوروبياً هو إطلاق المواقف بما لا يُمكن التأثير على الاتفاق الأوروبي ـ التركي في شأن الهجرة.
لن تتغيّر السياسة الخارجية الأميركية، كما أنها لن تُسلّم عبد الفتاح غولن إلى تركيا، ولو قدّم لها أردوغان آلاف الوثائق التي تدينه في شأن المحاولة الانقلابية. كما أن هذه السياسة شاملة، وغير متعلقة بباراك أوباما أو دونالد ترامب أو هيلاري كلينتون. بعض الأشياء تتبدّل في واشنطن في كل عهدٍ رئاسي، إلا "الانتظارية"، باعتبارها مبدأ ثابتاً كرّس نجاحه أميركياً طوال سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية.

نيسان ـ نشر في 2016-07-23 الساعة 12:11


رأي: بيار عقيقي

الكلمات الأكثر بحثاً