أصابت أليف شافاق
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2016-07-24 الساعة 12:04
تركيا تواجه تحديات دفاع عن الديمقراطية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وتزداد المخاوف من انتهاكات حريات الصحافة والتعبير والاعتقالات العشوائية، وتتحدث الأستاذة التركية المنعت من السفر عن خوف جديد يحدث في البلاد. وتشدد الروائية التركية على رفض الانقلابات والدفاع عن الديمقراطية، وتتساءل عن خطورة إقالة عمداء الكليات ومنع مدرسي الجامعات من السفر.
تكتب الروائية التركية، أليف شافاق، إن شعبها عرف مرارة الانقلابات العسكرية، وإنّ على الجميع في تركيا الدفاع عن الديمقراطية. هذه كانت تغريدتُها في "تويتر"، تعقيباً منها على فشل محاولة الانقلاب قبل أيام. والظاهر أن تركيا تعبر الآن طوراً حسّاساً في الدفاع عن الديمقراطية، وقد تأكّد أن شعبها لا يمكن أن يفرّط بالديمقراطية، أو يأذن بتسلّم العسكر السلطة. وأن تتوالى إجراءات الرئيس أردوغان المقلقة في انتهاكاتها الحريات العامة، مع فرض "الطوارئ" شهوراً، فإن المعادلة التي تشدّد عليها الروائية صاحبة "لقيطة اسطنبول"، أي رفض الانقلابات والدفاع عن الديمقراطية معاً، تدفع إلى اختبار ما إذا كانت تركيا تتجه إليها أم لا، في غضون المشهد المستجدّ فيها، منذ ليلة 15 يوليو/ تموز الجاري. وعندما تمنع الحكومة الأكاديميين من السفر إلى الخارج، وتُقيل 1577 عميد كلية جامعية، فإنّ المراقب لا يجد أن بلاد الأناضول تردّ على محاولة الانقلاب العسكري بتجذير الديمقراطية وحمايتها. ومع تفهّم مقتضيات الحسم بشأن ما نقرأ عن "تطهيرٍ" في الجيش والأجهزة الأمنية، فإن المرء يكاد يعدم أي تفسيرٍ لإقالة عمداء الكليات أولئك، ومنع مدرسي الجامعات من السفر. فأي خطورةٍ على أمن البلاد والعباد يمثلها هؤلاء، حتى يتم التحسّب منهم، والاشتباه بهم؟.
تتحدّث أستاذة تاريخ جامعية تركية، مُنعت من السفر، بموجب هذا الإجراء، عن "خوفٍ آخر" يحدُث في تركيا، غير الذي كان سابقاً، في أزمنة الاعتقالات العشوائية والاختفاءات القسرية. وبمطالعة واقع حريات الصحافة والتعبير، وغيرهما، في تركيا، في عهد حزب العدالة والتنمية، لا يقع المرء على سجلٍّ طيب، يُحسب لأردوغان، المحتمي بشرعية صندوق الاقتراع، في حيازته الرئاسة، وفي نيْل حزبه المرتبة الأولى في البرلمان. ولا يكاد من يفحص المشهد يعثر على كاتبٍ تركي رفيع القيمة يمحض أردوغان وحكوماته ودّاً. ومن ذلك أن أليف شافاق التي سارعت إلى رفض الانقلاب أخيراً ظلت، في الشهور الأخيرة، تجهر بانتقاداتٍ شجاعةٍ ضد ما سمّتها حالة القمع الممارس على وسائل الإعلام المعارضة من الحزب الحاكم. وقد كتبت، في مقالٍ نشرته الشهر الماضي في "فايننشال تايمز"، إن تركيا تنزلق إلى الوراء، وإن أردوغان ليس رئيساً محايداً. كما أن الروائي التركي، أورهان باموق، ("نوبل" 2006)، يكاد لا يتوقف عن اتهام أردوغان بالاستبداد وقمع الحريات. والظاهر أن القرارات التي اتّخذت، في الأيام القليلة الماضية، تؤشر إلى أن باموق لم يُبالغ كثيراً في تصريحه، مرّة، إن أردوغان لا يريد السلطة مع أحد، وطالبه بوقف "الممارسات القمعية ضد وسائل الإعلام المعارضة، فليس كل من يكتب بحريةٍ يصنّف عدواً خارجياً".
وإذ أقيمت 1800 دعوى، في تركيا، ضد رسامي كاريكاتير وصحافيين وكتّابٍ، بتهم إهانة أردوغان، منذ صار رئيساً قبل نحو عامين، وإذ لم تتوقف الأنباء عن إغلاق صحفٍ ومواقع إلكترونية، ومحاكمات صحافيين معارضين، بل وفقدانهم وظائفهم، بسبب آرائهم السياسية، فإننا نكون أمام حالةٍ شاذّةٍ في نظام تعدّدي، يأخذ بتداول السلطة، ويتسلح بآلية الانتخابات النزيهة في بناءِ نفسه. ويحسُن أن تظلّ هذه الحالة موضع انتقاد، وإنْ مع الإعجاب بمنجز "العدالة والتنمية" في الحكومة، بزعامة أردوغان، على صعيدي الاقتصاد والحضور السياسي، وإنْ، بالطبع، مع الإسناد المطلق لشرعية الحكم الراهن ضد مغامرات العسكريين في تطلّعهم إلى انتزاع السلطة بانقلابٍ عسكري، كان سيأخذ تركيا إلى نزاعٍ دمويٍّ وأهلي، وإلى اختناقٍ حاد، فضلاً عما كان سيلحق العرب من آثاره الجسيمة التي كانت ستزيد أحوالهم سوءاً على ما هي عليه من سوء.
أصابت أليف شافاق عندما دأبت، وزملاء لها كتّاب أدب وفنانون، على انتقاد ممارساتٍ غير هيّنة في بلادها، مسّت حرية الرأي. وأصابت عندما رفضت محاولة وثوب العسكر على الحكم. وأيضاً وأيضاً، عندما ألحّت على جميع الأتراك أن يعملوا من أجل حماية الديمقراطية.
نيسان ـ نشر في 2016-07-24 الساعة 12:04
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب