من سيرة تيسير قبعة
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2016-07-25 الساعة 12:42
وفاة المناضل الفلسطيني تيسير قبعة عن عمر يناهز 78 عامًا، ويعتبر من الجيل المؤسس في الكفاح الوطني الفلسطيني بعد النكبة، وكان له دور قيادي في تأسيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين ورئاسته حتى عام 1967، وكان ممثلًا للشعب الفلسطيني في المجلس الوطني في منظمة التحرير، وحرص على تثقيف شخصيته وتظهير عدالة القضية الفلسطينية في محافل برلمانية دولية.
تأخذنا وفاة المناضل الفلسطيني، تيسير قبعة، الأسبوع الماضي عن 78 عاماً، إلى استعادة ما حضر، في سيرتِه، من مثابرةٍ وطنيةٍ اتّصفت بالموازاة الخلاقة بين الجهد التنظيمي والعمل الجماهيري والفاعلية السياسية والإعلامية، فضلاً عن الحضور القيادي دائماً، في الإطار المؤسساتي وفي المجتمع الأهلي. وقليلون في الحالة الفلسطينية، منذ قيام منظمة التحرير، من انخرطوا، وبنزاهةٍ مؤكّدة، في هذه المستويات مجتمعة، وصنعوا في الأثناء أثراً طيّباً ومنجزاً وطنياً خاصاً في عموم التجربة الكفاحية الفلسطينية. ومع هذا العطاء النبيل، لم ينشغل قبعة في تعظيم جهده في أضواء الإعلام، وإنما حرص، منذ شبابه الأول طالباً جامعياً في دمشق، ورئاسته هناك أول رابطةٍ للطلاب الفلسطينيين، على تثقيف شخصيّته، فحاز الماجستير في التاريخ. وقد اختبر أهمية الإعلام، وخصوصاً العالمي منه، في تظهير عدالة القضية الفلسطينية، وذلك في محافل برلمانيةٍ دولية، ممثلاً للشعب الفلسطيني، بصفته القياديّة (نائب رئيس) في المجلس الوطني في منظمة التحرير التي كان أول ممثلٍ للجبهة الشعبية فيها، في العام 1971.
ينتسب أبو فارس إلى الجيل المؤسّس في الكفاح الوطني الفلسطيني بعد النكبة، في انضواء تعبيراتٍ وتشكيلاتٍ وشخصياتٍ فلسطينية في حركة القوميين العرب، في بعض الخمسينيات وأولى الستينيات، ثم في الصيغة العربية الأولى لمنظمة التحرير، فقد كان ممن شاركوا في أول مؤتمرٍ للمجلس الوطني الفلسطيني في القدس في 1964، وتالياً في مؤسسات المنظمة التي آلت إلى فصائل المقاومة بقيادة حركة فتح، بعد 1968. وهو الذي كان ذا نزوعٍ يساريٍّ بيّن، مع بعدٍ قوميٍّ وعروبيٍّ ظلّ يطبع شخصيته، منذ شبابه الأول. ولعمله على تشكيل خلايا مقاتلة، سجنه الاحتلال ثلاث سنوات، ثم أبعده في 1971 إلى خارج فلسطين. وقبل هذا كله، وغيره، كان تيسير قبعة قد قام بدورٍ قياديٍّ في تأسيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين، وترأسّه حتى 1967، في القاهرة التي كان قد انتقل إليها من دمشق. والمعلوم أن هذا الاتحاد كان الإطار التنظيمي الشعبي الذي ضمّ شرائح عريضةً من الشبّان الفلسطينيين في تلك السنوات، ممن صاروا لاحقاً قيادات الثورة الفلسطينية المعاصرة، ياسر عرفات وجورج حبش مثلاً. ونشط قبعة، في تلك الغضون، في تكوين أفرع للاتحاد في دول عديدة.
وتُسعف قراءة تلك المرحلة في تبيّن ما كان عليه الإيقاع العام في مسار الكفاح الفلسطيني، ليس فقط على صعيد الحماس الشبابي، وإنما فيما يخصّ الروح الخالصة لفلسطين لدى المنضوين فيه، والرهان على إسنادٍ عربيٍّ ملح، مع القناعة، أيضاً، بأهمية استكشاف رهاناتٍ عالمية. وفي البال أن غسان كنفاني (استشهد عن 36 عاماً) كان مساجلاً موهوباً، وباللغة الانكليزية، في محاوراته مع تلفزاتٍ أميركيةٍ وأوروبية. كما أن رفيقه، الزاهد النظيف، تيسير قبعة، طاف على هيئاتٍ وبرلماناتٍ وأحزاب، في بلادٍ بلا عدد، وهو يحارب فيها تزييف إسرائيل الحقائق، ويؤكّد حقوق شعبه وعدالة قضيته. والمعلوم أنه كان صاحب ملكةٍ في الخطابة والمحاورة. وقد عمل، بدأبٍ مشهود، من أجل طرد إسرائيل من عضوية الاتحاد البرلماني الدولي. ولمّا اجتمعت في شخصيته الثقافة والخبرة، والتعليم العالي والسمت اليساري، فإن درساً ثميناً يوفره للشباب الراهن، عن وجوب التأهيل الكافي عند من يتقدّمون للعمل السياسي والإعلامي من أجل فلسطين.
إذا صحّ أن الرئيس محمود عباس قطع، منذ أربع سنوات، الراتب الشهري لتيسير قبعة، فهذا دليلٌ على إبداعٍ فلسطينيٍّ رسميٍّ في محاربة كل كفاءة. ولكنْ، لم يكن فقيدنا يعمل من أجل رضى عباس وغيره، منذ انقطع لفلسطين، شعباً وأرضاً، واختبر المنفى والمعتقل، وهو الذي ساهم أيّما مساهمةٍ في بناء المؤسسة الفلسطينية الموحدّة، وفي تدعيم النشاط الأهلي، وفي حماية المشروع الوطني عموماً، في مواقعه الرسمية والمدنية، وفي منحاه الدائم معارضاً لنهج التسوية، وظلّت مناقبيته، في ذلك كله وغيره، قيمةً عليا، جديرةً بأن تُحمى من النسيان، وبأن تبقى في مطرحٍ طيّب في الذاكرة الفلسطينية. رحمه الله.
نيسان ـ نشر في 2016-07-25 الساعة 12:42
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب