إلى أين تجر أحقاد المسؤولين وثاراتهم خيمة ذيبان؟
نيسان ـ نشر في 2016-07-26 الساعة 18:50
محمد قبيلات
تَرَفُ العودة إلى المربع الأول لم يعد متاحا في قضية ذيبان، لا بالنسبة لوزير الداخلية، سلامة حماد، ولا بالنسبة للشباب المُعطلين عن العمل.
فملف القضية عند الوزير صار – على ما يبدو- مثقلا بالحسابات الشخصية والثأر، وتغطي الوزارة نفسها الآن لتنفيذ بنود هذا الملف بذرائع وقصص فرض هيبة الدولة، بينما ازدادت مطالب الشباب، فلم تعد تقف عند حد وظائف من نوع حرّاس في سد الموجب، أو سائقين في وزارة الزراعة، الآن صار أحد المتعطلين في السجن، ودخل في اضراب عن الطعام منذ خمسة أيام حسب المتعاطفين معه من شباب المنطقة، ويواجه تُهمة الشروع بالقتل، أيضا هناك مطلوبون للجهات القضائية، كان قد أُطلق سراحهم بالكفالة، وإعادتهم إلى السجن الآن هي أمر وارد ورهن إشارة الوزير.
الخطير في الموضوع هو أن بعض الأجهزة التنفيذية تستغل القضاء لتنفيذ مآربها، من خلال ما منحها إياه القانون من صلاحيات لحفظ الأمن المجتمعي، لكن هذه الصلاحيات تُستخدم الآن بطريقة تعيد المشهد إلى ايام الأحكام العرفية.
ولتفكيك المشهد، على سبيل التوضيح، تم الاتفاق بين الوجهاء المحليين ووزارة الداخلية، أن يراجع الشباب الثلاثة، والذين قيدت بحقهم طلبات قضائية على اثر الاحتجاجات التي وقعت في نهاية رمضان، أتفق على أن يراجع هؤلاء الشباب المحكمة للنظر في تسديد الطلبات المسجلة بحقهم لدى القضاء، والتهمة كانت إثارة الشغب، وهو ما تم بالفعل، إذ راجعوا المحكمة وتم تكفيلهم، لكن أوامر جديدة باعتقالهم كانت تنتظرهم عند باب المحكمة لدى خروجهم، وهي تهم من العيار الثقيل تشمل الشروع بالقتل، فجرى اعتقالهم واعادتهم للمحكمة من جديد، لكن بالتهمة الجديدة، ولسنا هنا بصدد مناقشة "سلامة" هذه الاجراءات وقانونيتها، لكن واضح أن الدافع خلفها أحقاد خاصة لدى مسؤول متنفذ، وبحجة ما تلفظ به أحد الحراكيين من شتائم، ضد مسؤول بعينه - وهي مرفوضة بالطبع ومدانة- وهذه مشكلة شخصية يُمكن حلها بجاهة أو صلحة عشائرية لا عن طريق تسخير الوظيفة الحكومية للانتقام الشخصي.
كما أنه لا يجوز تصعيد الأمر بالاختباء خلف المرجعيات العليا، والتنطع بأن اساءات صدرت بحق الملك؛ فالملك للجميع، وهو وحده من يملك الحق بالمعاقبة أو الصفح، ويثق الجميع في ذيبان بعدله ويقبلون حكمه.
وزير الداخلية يُصرّ على محاسبة وتأديب أي حراك شعبي من خلال "جرجرة" الحراكيين إلى المحاكم والسجون؛ وهو سلوك متأصل لدى وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، وما نزال نذكر كيف لجأت الأجهزة التنفيذية إلى نقل حراكي إلى احد مخافر الشمال لتأخير خروجه ليلة او ليلتين بعد أن أفرجت المحكمة عنه.
الوزير للأسف، رغم كل ما يُقَدم من شهادات عن وطنيته، إلا أنه من المدرسة التي لا تؤمن بحق المواطن بالمطالبة بحقوقه، والاستمرار في هذه السياسة، سيحوّل أي مواطن يُطالب بوظيفة "حارس" على بوابات الوزارات ( التي يجلس في اداراتها ابناء الذوات) إلى متطرف قد يفعل ما لا يخطر على بال.
بالأمس اصدر شباب الخيمة بيانا يقولون فيه أنهم سيبنون الخيمة اليوم الثلاثاء، ووزير الداخلية توعّد بأنه لن يمرر ذلك " لو وصل الدم إلى الركب" بمعنى انه سيوجه أوامره للدرك بهدم الخيمة، مهما كلف الأمر، وقمع الاحتجاج مجددا.
هناك الكثير من المعنيين الآن يحاولون ضبط المشهد والنأي به عن التأزيم لكن إلى متى ستستمر هذه الطريقة في التعامل مع المعتصمين السلميين؟ وهل هذه المعالجات سليمة ومناسبة؟ اسئلة نضعها في عهدة المرجعيات التي ترى الصورة بمنظار أوسع وأبعد مما ترى وزارة الداخلية.
حل المشكلة الآن بسيط جدا .. فقط بأن يتم تنحية الحسابات الشخصية، وأن يتم تذكير وزير الداخلية بأن الدستور يُجيز للمواطن التظاهر والاعتصام للمطالبة بالحقوق أو لرفع مظلمة أو للتعبير عن الرأي، وأن هذه الأعمال ليست عدائية؛ والمشرّع عندما سمح بها، فهو فعل ذلك، لأنه رأى فيها اداة فعّالة في عمليات إعادة توزيع الثروة الوطنية وتثبيت لأركان مدنية الدولة.
الآن، وفي الوقت الذي نُطالب به شباب الاعتصام التروي وعدم دفع قضيتهم إلى المربعات الخطرة، فإنه لا بدَّ من تنفيذ ما أُتفِقَ عليه معهم من قبل الحكومة، بما في ذلك إسقاط ما سُجل بحقهم من قضايا كيدية واطلاق سراح زميلهم المعتقل.