اتصل بنا
 

الجامعة تحت الخيمة

صحافي مغربي

نيسان ـ نشر في 2016-07-27 الساعة 12:31

عقدت القمة العربية في موريتانيا تحت خيمة بسبب عجز الحكام والعسكريين عن توفير فضاء يليق بالفعاليات الدولية، وليس بسبب عدم استعداد البلد، فموريتانيا بلد غني بثرواته الطبيعية وشعبها المثقف والنشيط، وصحافتها تتمتع بحرية ونقد.
نيسان ـ

عقدت القمة العربية تحت خيمة في نواكشوط، ليس لأن الدولة المضيفة أرادت أن تحتفي بضيوفها، فنصبت لهم خيمة للترحيب بهم على طريقة بدو الصحراء، وإنما لأن العاصمة الموريتانية، وبعد أكثر من 54 سنة من استقلال البلد، لم ينجح ساستها وعسكرها الذين احتكروا حكمها في توفير فضاءٍ يليق باستقبال فعاليةٍ من قبيل قمةٍ يحضرها قادة ما تبقى من 22 دولة عربية.
ليس ذنب موريتانيا، ولا ذنب شعبها الكريم المضياف، فسكان موريتانيا بدو أقحاح، أهل كرم وجود، يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة. الذنب، إن كان هناك أصلاً ذنب، يتحمل وزره حكّامها وعسكرها الذي تعاقبوا على حكمها عقوداً، نهبوا ثرواتها وأفقروا شعبها، فموريتانيا ليست كما قد يصوّرها بعضهم، فهي بلد غني بثرواته الطبيعية، تمتد مساحتها على أكثر من مليون كلم مربع، أرضها غنية بثرواتها المعدنية النفيسة، من حديد ونحاس وفوسفات، وأخيراً تم اكتشاف البترول. وحباها الله بسواحل بحرية، تمتد على طول سبعمائة كلم، تطل على المحيط الأطلسي، الغني بما يختزنه باطنه وبثروته السمكية، عدا ما ينتجه البر الموريتاني من زراعاتٍ على طول شريط نهر السنغال، وما تزخر به مراعي البلد من قطعان الإبل والجواميس.
أما الشعب الموريتاني الذي بالكاد يبلغ عدد أفراده ثلاثة ملايين نسمة، فهو متعلم، في أغلبيته مثقف وواع، ومسيس أكثر من أغلب شعوب الدول العربية الأخرى، مشهور بقرضه وحفظه الشعر العربي الفصيح، حتى سميت موريتانيا بلد المليون شاعر. وهو أيضاً شعب نشيط، يمتهن التجارة، ومجبول على الترحال والسفر بين البلدان. والحياة السياسية في البلد، على الرغم من هيمنة العسكر عليها، تتميّز بتعدّدٍ حقيقي، وتنافس طبيعي، وبمعارضة قوية. وصحافته، على الرغم من ضعف إمكاناتها، فهي من أكثر أنواع الصحافة العربية حريةً ونقداً، وقد صنفت منظمة "مراسلون بلا حدود" موريتانيا في أحدث تقريرها، وللسنة الرابعة على التوالي، الأولى عربياً في حرية الصحافة، وفي المرتبة 55 عالمياً، متقدمة على كل الدول العربية، بما فيها تونس التي شهدت ميلاد ثورات الربيع العربي، ولبنان الذي كان يعتبر واحة حرية الصحافة العربية.
والذنب الثاني، إذا وجد طبعاً، هو ذنب العرب وجامعتهم التي لم تعد تحمل من المعنى إلا
"قمة نواكشوط أكبر وأصدق تجسيداً لحالة العرب، حالة من التشتّت والتفرقة والغياب" الاسم، بعد أن تفرق العرب كياناتٍ وطوائف، بعد أن كانوا شعوباً وقبائل، وتمزقت دولهم إلى حاراتٍ وأزقةٍ تتقاتل فيها وعليها مليشيات يسلحها ويمولها العرب أنفسهم الذين يتحدّثون، في بياناتهم الرسمية، عن "الوحدة العربية" و"الأمة العربية" و"التضامن العربي"..
بدلاً من إهانة شعب موريتانيا، كما فعل الوفد اللبناني الذي اختار الإقامة في المغرب، والانتقال منها إلى نواكشوط لحضور أشغال القمة، لأن فنادقها لا تليق بمقامات "معالي" و"دول" أعضاء وفد لبنان، كان يجب لوم العرب وجامعتهم التي فرّقتهم، بدلاً من أن تجمعهم. وكان يجب، قبل ذلك، لوم قوانين الجامعة التي صادق عليها قادتها، فهي التي وضعت شعب موريتانيا في موقع الحرج الذي يريد بعضهم، اليوم، أن يُحمّل وزره للمضيف الموريتاني، فكل اتحادات دول العالم يجتمع قادتها في مكان وجود مقرّاتها الدائمة، بما فيها "الاتحاد الأفريقي" الذي يجتمع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث يوجد مقر الاتحاد، وأكبر وأقوى وأغنى اتحاد في العالم هو الاتحاد الأوروبي، يجتمع قادته في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث مقره، أما قادة العرب فلم يفلحوا، نصف قرن ونيف من وجود جامعتهم، على إيجاد مقر دائم لاجتماعاتهم السنوية. ورب قائل يقول: ماذا يمكن أن ننتظر من قمةٍ اختلف قادتها على إيجاد مكان دائم لاجتماعاتهم السنوية؟
الذنب، مرة أخرى، ليس ذنب الشعب الموريتاني الذي رحّب بعقد قمة كانت ستلغى، بعد أن قرّر المغرب، في آخر لحظةٍ، عدم استضافتها لأسبابٍ شرحها بيانٌ رسميٌّ مغربيٌّ مطول، كان أقرب إلى المقال النقدي منه إلى البيان الرسمي، وقف فيه من صاغه عند كل عيوب العمل العربي المشترك. وإذا كان هناك من ذنب حقيقي، يجب أن تتحمّله الحروف الأبجدية العربية، لأنها هي التي وضعت موريتانيا وشعبها في الموقع الذي ينتقدهما بعضهم اليوم عليه، والقمة المقبلة، حسب قوانين الأبجدية العربية، ستكون في اليمن، ففي أي جزءٍ من اليمن "السعيد" ستعقد: هل ستعقد في عدن المحاصرة أم في صنعاء المغتصبة؟ وأين سيقرّر الوفد اللبناني المبيت، عندما يأتي الدور على دول أسوأ حظاً من موريتانيا، مثل جيبوتي والصومال وجزر القمر؟
قمة نواكشوط أكبر وأصدق تجسيداً لحالة العرب، حالة من التشتّت والتفرقة والغياب التي لم يشهد لها الوضع العربي مثيلاً، منذ أسّس الإنكليز هذا الكيان الذي يحمل اسم "جامعة الدول العربية"، ستخلد أنها القمة التي حضرها أقل عدد من قادتها، والخوف من أن تكون آخر قمة لآخر ما تبقى من دول عربية، ما يفرق بينها من خلافاتٍ وحروب أكثر مما يجمع بينها من عبارات المجاملة والشعارات الرنّانة التي تؤثث بها بياناتها الرسمية.
من المؤسف أن ينصرف التفكير والنقاش حول مكان انعقاد القمة العربية، وليس إلى ما سيصدر عنها من بياناتٍ وقرارات. الخيمة الموريتانية أرحب من صدور كثيرين من قادة الدول العربية، ولعلها تذكرة لبعضهم منهم بحالة العرب، ودعوة إلى بعض آخر إلى التواضع، فمن تواضع لله رفعه.

نيسان ـ نشر في 2016-07-27 الساعة 12:31


رأي: علي أنوزلا صحافي مغربي

الكلمات الأكثر بحثاً