اتصل بنا
 

حين يتحول الأشقاء إلى مجرمين

نيسان ـ نشر في 2016-07-28 الساعة 12:19

x
نيسان ـ

كتب إبراهيم قبيلات..جاء في أخبار أمس الأول أن أشقاء ثلاثة قتلوا شقيقتهم طعناً؛ بعد تغيبها عن منزل ذويها، في إحدى محافظات الشمال، وسط مجتمع ذكوري لا يرى -في مجمله- الأنثى إلا فريسة ومشروع قتيل.
الأخبار ذاتها قالت إن البنات حصدن المراكز الأولى في اختبار المرحلة الثانوية العامة لهذا العام، وبنسب مرتفعة، فإذ بهن أسباب فخر، لكن المجتمع يواصل مساندة الذكور من دون الحاجة إلى أسباب، لا بل فإنه في بعض الأحيان يستحضر "فحولته" في تبرير أخطائه.
مفارقتان تستحقان الوقوف ملياً قبل الغوص في تفاصيل مجتمع يخضع لتأثيرات سلبية تقيد العقل والمنطق، وتطلق يد "التطرف الأسري" تجاه الأنثى، بوصفها "ناقصة عقل ودين"، في الوقت الذي يسعى به نحو قيم الحداثة والتنوير.
لا نحتاج لمزيد من الأخبار لتذكرنا بنظرتنا الدونية التي تحاصر الأنثى، وتبقى تشكل تهديداً حقيقياً لها، عند كل "مطب"، اجتماعي، لكن من السذاجة بمكان أن نواصل فرحنا الزائف بمعدلات البنات، وتمييزهن، ثم لا نجد حرجاً في قتلهن إذ اخطأن، بعد أن سلبناهن "المناعة" الاجتماعية شيئاً فشيئاً.
نظرة متأنية لأزمات المجتمع واضطراباته المتراكمة، توصلنا إلى أن القاتل أو القتلة هم أيضا ضحايا قناعات مجتمعية، دفعتهم للقيام بفعلتهم المدانة؛ هروباً من عناوين قاسية اجتماعياً يبرز من بينها "العار" وتبعاته على الأنثى وحدها.
ندرك أن تفكيرنا ذكوري وعميق جداً في ادعاء فحولته، وتكريس فائض سلطوية ذكورية لن تفضي إلاّ إلى مزيد من الظلم والتجني، ما يعني بقاء المشهد الاجتماعي في حالة نزيف دائم، ولن يقف المسلسل عند تلك الحالة، بل سيتبعها الكثير من الضحايا، في سبيل بقاء المجتمع أسيراً لعادات لا ترحم.
وفق ذلك، لا تبدو تلك الجرائم منفصلة عن سياقها المجتمعي، الذي اعتاد مواراة الكثير من التفاصيل الجرمية؛ حماية للذكر، فتشتد الحاجة ليس إلا تغليظ العقوبة فقط، بل إن العدالة هنا تتطلب معالجات مجتمعية بعيداً عن ثقافة المنابر، ومرتكزاتها، سيما وأنها تعبّر عن أزمات مركبة، اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية.
جرائم كثيرة تحدث يومياً وتذهب ضحيتها أرواحاً كثيرة، من دون أن تترك رغبة حقيقية لدى الرسمي أو المجتمع في تبديد أسباب حدوثها، وتقديم معالجات جادة تحد من معدلات الجريمة، وتحلل أسباب ارتكابها.
"الذكورة" الطافحة فينا ترفض حتى اللحظة نتاجات العقل والمنطق في مجمل قضايانا المجتمعية، سواء في مناقشات الأسباب أو النتائج، لصالح تكريس ثقافة ذكورية لا تتوانى في تبرير ما تفعل جهارا نهارا طالما الناس مأخوذة بعناوين "هلامية".

نيسان ـ نشر في 2016-07-28 الساعة 12:19

الكلمات الأكثر بحثاً