مهرجان جرش موضوعاً (إخوانياً)
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2016-07-31 الساعة 13:10
الإخوان المسلمون يحافظون على مواقفهم المتشددة تجاه الفنون وينتقدون المهرجانات الفنية، ومهرجان جرش للثقافة والفنون السنوي في الأردن كان هدفاً لهجماتهم المعلنة في الماضي، ولكنه لم يتعرض لأي هجوم هذا العام، مما يثير تساؤلات حول تغيير في مواقفهم.
لم تطوّر أدبيات "الإخوان المسلمين" خطاباً متقدّماً بشأن الفنون، فقد ظلت على محافظتها التقليدية المرتابة، والمتشدّدة غالباً، إذ تحافظ الجماعة الأعرض في تيار الإسلام السياسي على عدائها المهرجانات الفنية، في غير بلدٍ عربي. وإذا صمتت بشأن أيّ منها، فهذا لا يعني أن "الإخوان" يناصرون ما تشتمل عليه هذه المواسم والأنشطة من أسباب الترويح عن النفس. وكثيراً ما تعمد الجماعة إلى تظهير مواقفَ بالغة السلبية تجاه هذا كله، فتعتبر حفلات الغناء والموسيقى وأمسيات المسرح أفعالاً لا تتصل بالأخلاق، وذلك في بياناتٍ صريحةٍ، أو بتصريحاتٍ لأعلام منها. ومهرجان جرش للثقافة والفنون السنوي في الأردن (توقف من العام 2007 إلى 2011)، كثيراً ما صوّب عليه "الإخوان" هجماتٍ معلنة، كانت حادّة أحياناً في مطالبتها بعدم إقامته، أو كانت تكتفي بانتقاده. والمعلوم أن المهرجان الذي اختتمت، أمس، أمسيات دورته الحادية والثلاثين في مدينة جرش (50 كلم شمال عمّان) كان، في سنواتٍ سابقة، موسماً عربياً وعالمياً لفنون الغناء والفلكلور والموسيقى والشعر المتنوعة، المحلية الأردنية والمستضافة من عدة دول، ولعله أفلح، صيف هذا العام، في إحياء بعض مكانته التي كانت قد أعطت الأردن، في دوراتٍ ماضية، حضوراً ترويجياً، ثقافياً وفنياً وإعلامياً وسياحياً. وقد استضيف على مدرجاته وساحاته نجومٌ عديدون في إبداعات الشعر والمسرح والغناء، مثلاً، ومنهم فيروز ومحمود درويش ودريد لحام ونجاة الصغيرة وعادل إمام وصباح فخري.
نعت المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي، (الجناح السياسي لجماعة الإخوان في الأردن) مهرجان جرش بالمجون، في بيانٍ أصدره، إبّان دورة العام الماضي (2015)، وبأنه مهرجانٌ يدعو "إلى الفحشاء والاختلاط والفجور"، بل استنكر البيان استمرار المهرجان "في ضوء الظروف المحلية والعربية والدولية الملتهبة". وربما كان ذلك البيان الأعنف لغةً تجاه المهرجان الذي طالما حظي بهجماتٍ معتبرةٍ في كلمات نوابٍ إخوانيين، تحت قبة البرلمان الأردني. والملاحظ أن مهرجان جرش، صيف العام الجاري، لم تنله أيٌّ من سهام "الإخوان"، عنيفةً أم هادئة. ما يسوّغ سؤالاً عمّا إذا كانت قناعةٌ قد طرأت على حزبهم بأن المهرجان صار يتوفّر على ما يعصمه من المجون والفحشاء، أو ما إذا أصبحت زعامات "الإخوان" في الأردن تنتبه إلى أهمية الفنون وإبداعاتها في تطوّر الشعوب الحضاري والثقافي والإنساني العام. أم أن "شيئاً ما"، يتّصل بحساباتٍ سياسيةٍ، وظرفيةٍ، حمت مهرجان جرش من "الغضب" الإخواني السنوي التقليدي.
ربما هو شعورٌ بأن أولويات الأردنيين ليست المناكفة بشأن هذا المهرجان الذي لم يشهد، أزيد من ثلاثة عقود، واقعةً واحدة تؤشر إلى "فجورٍ" أو "فحشاء". وربما أن اقتراب معركة التنافس في الانتخابات النيابية (20 سبتمبر/ أيلول 2016) جعل مشايخ جبهة العمل الإسلامي يعرضون عن قصة مهرجان جرش، ويفطنون إلى أنّ معاودة القول عن "مجونٍ" فيه قد تثير حنق أردنيين كثيرين، يقينُهم أن انتظام المهرجان، في موسمٍ سياحي طيب، في هذا العام الذي عرف في بلدهم عدة هجمات إرهابية مقلقة، هو نجاحٌ طيبٌ لبلدهم، وسط خرابٍ مشهودٍ في الإقليم، وفي الجوارين السوري والعراقي، ومع بيات الحال اللبناني. وقد أصاب المدير التنفيذي للمهرجان، محمد أبو سماقة، في قوله إن إقامة "جرش" في ظل الأحداث والأزمات التي تشهدها المنطقة رسالة طمأنينة للعالم.
ولكن، أبى أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية، الدكتور سليمان الدقور، إلا أن يذكّرنا بثبات الإسلاميين على عدائهم المهرجان العتيد، فقد نعته بأنه "يُسهم في الفساد الأخلاقي والقيمي، وينشر سوء الأدب وقلة الحياء". من أين جاء بهذا الاتهام وهذه الإطلاقية؟ ابتهج آلافٌ، أردنيون وزوارٌ غير أردنيين، بما سمعوا وشاهدوا في شارع الأعمدة ومسارح المدينة الأثرية في جرش، ولم يُصابوا بما تفوّه به الأستاذ المذكور، ولا أحد من الأردنيين وضيوفهم في حاجةٍ إلى وصايته على أخلاقهم.
نيسان ـ نشر في 2016-07-31 الساعة 13:10
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب