الحوار الذي عودنا على الدم
نيسان ـ نشر في 2016-08-15 الساعة 11:55
أدت ثقافة الفضائيات والمواقع إلى الانحطاط الحالي في المجتمع، حيث تركت الميكروفونات للرعاع والفجار والبذيئين والخالين من آداب البيوت، وتركت الفضائيات تتنافس في ساحة الصراخ والصراع والشتم والضرب بلا أي ضابط أو قاعدة أو قانون، مما أدى إلى تحول العنف الصوتي إلى عنف دموي همجي مريع. وخلف هذه الغيوم السامة، ضاع معنى المستقبل، ونشأ جيل مخدر لا يعرف من منطق الحياة سوى الصراخ والزعيق والفظاظة والقسوة.
ما الذي أّدى إلى ما نحن فيه؟ ألف سبب. أكثرها متراكم٬ صدأ وجهل وعنف وعند وأوبئة ضمائرية. لكْن في الأسباب الحديثة واحد يجب أن نتوقف عنده ونحن نعض أصابعنا٬ أو أصابع المرتكبين. يجب أن نلاحظ أن الكارثة بلغت هذا المدى غير المسبوق بعد انتشار ثقافة الفضائيات٬ ومن ثم٬ ثقافة المواقع. الأولى٬ سلمت الميكروفونات للرعاع والفّجار والبذيئين والخالين من آداب البيوت٬ وحتى الشوارع٬ وحتى الحمامات العامة. فعلت ذلك بذريعة حرية الرأي٬ وسلمت المنبر إلى أصوات لا تعرف عن أصحابها شيًئا. وتركتهم يقولون كل ما يشاءون باللهجة والطريقة التي يشاءون٬ شرط أن يكون ما يشاءون هو ما تشاؤه هي.
توالدت الفضائيات مثل الفطر السام٬ تتنافس في ساحة واحدة٬ هي الصراخ والصراع والشتم والضرب٬ بلا أي ضابط أو قاعدة أو قانون. انفلتت نحو ألف فضائية من كل فج عميق مقابل فضائية واحدة في أميركا٬ وأخرى في بريطانيا٬ وواحدة في روسيا. ظاهرة مرضية صوتية لم يلتفت إلى آثارها أحد. قنوات تركب الصور التي تشاء٬ والخبر الذي تشاء٬ والفتوى التي تشاء٬ وتبث كل هذه الخلائط حيث وأّنى تشاء. وعند هذا المستوى من الانحطاط٬ لم يعد هناك من يميز بين الحقائق وبين الأوادم والزعران والكذابين والمحرضين ومبشري الركام والخراب والنعيق. وخلف هذه الغيوم السامة٬ ضاع معنى المستقبل٬ ونشأ جيل مخّدر لا يعرف من منطق الحياة سوى الصراخ والزعيق والفظاظة والقسوة. وغابت تقاليد التراحم بين الناس٬ وغابت لغته وتعابيره. وصارت البرامج «الحوارية» مثل حلبات الأسود في روما٬ المشاهد٬ مثل الإمبراطور والإمبراطورة٬ يصفق للكاسر وينادي بالقضاء على الضعيف.
معلقو الإنترنت ولدوا من ثقافة معلقي الحوارات. وليسوا سوى نتاج لمدرسة جذبت إليها شتى أنواع مرضى العنف. بكل بساطة تحول العنف الصوتي إلى عنف دموي همجي مريع. السلوك الهمجي في الاستوديوهات تحول إلى سلوك همجي في الهواء الطلق. جميع الناس رفضت أن تصدق أن إحراق الطيار الأردني كان حقيقًيا.
لكن عندما رأينا تونسًيا يدهس بشاحنة نحو 150 رجلاً وامرأة وطفلاً٬ كان علينا أن نتذكر البيانات البطولية المصورة التي كانت «تخرجها» الفضائيات قبل بثها.
فيما كان البحث جارًيا حول البرامج التربوية٬ كانت الفضائيات تقتحم البيوت والعقول بتعاليمها وعدمياتها والطرب لغنائيات الدم والقتل والموت. عدد كبير منا أدمن على مشاهدة قنوات الحيوانات والطبيعة. لكن هذا ليس حلاً. لقد قطعت الفضائيات شوًطا بعيًدا وعميًقا في نخر هيكل الأمة.
نيسان ـ نشر في 2016-08-15 الساعة 11:55
رأي: سمير عطا الله