عن معرض دمشق للكتاب
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2016-08-28 الساعة 11:07
معرض دمشق الدولي للكتاب ينتظم بعد انقطاعه منذ العام 2011 ويشهد غياب الناشرين العرب.
لولا تقريريْن عنه في صحيفتين بيروتيتين، لما أمكن أن يعرف بعضُنا أن معرض دمشق الدولي للكتاب ينتظم هذه الأيام، بعد انقطاعه منذ العام 2011. ولما أمكَن، أيضاً، أن نعرف أن لهيثم مناع كتاباً اسمه "خلافة داعش" يباع فيه. وسيبدو من فائض هناءة البال أن يلتفت الواحدُ منا إلى خبرٍ مثل هذا، فيما العيونُ لا ترى على الشاشات غير تهجير السوريين من مدنهم وأريافهم، ينشط فيه النظام هناك، بهمّةٍ ظاهرة، ويواظب بدأبِه المعهود، بمشاركة الطيران الروسي المستضاف في سماء البلاد، على تهديم مآثر وحواضر وأسواق وكنائس ومساجد في مدنٍ وأريافٍ سوريةٍ معلومة الديمغرافيا والجغرافيا. وثمّة "داعش" ومثيلاتُه من عصابات الإرهاب الأسود لا تقصّر في تحطيم البلاد، وفي تخريب السلم الأهلي والاجتماعي بين السوريين. وأن يحتفظ المعرض المذكور بصفته دولياً، فيما 75 ناشراً محليا فقط هم من يشاركون فيه، (والمركز الثقافي الروسي في دمشق)، فذلك من تفاصيل المسخرة السورية العبثية، الناهضة هناك وبلا أي نقطة نظامٍ تخدش إيقاعها الكاريكاتيري.
لم يتنكّب أيٌّ من الناشرين العرب عناء القدوم إلى عاصمة الأمويين، كما كان كثيرون منهم يفعلون للمشاركة في المعرض الشهير. وقد حاول المنظمون (اتحاد الناشرين السوريين) إغراءهم بتسهيلاتٍ وفيرة، وبأجور لعرض مطبوعاتهم مخفضةٍ جداً، لكنهم لم يستجيبوا، وكأن في أوهام أولئك أن شعار "سورية بخير"، للدورة السابقة (السابعة والعشرين) للمعرض في 2011، صالحٌ للتسويق، وأن الحُطام البادي للأعين، والذي لا يستثير غير الحسرة والحنق في نفوس العرب، مجرّد تفصيل عابر في ظلال الأمن والأمان الوارفة، والتي تنعم بها دمشق الزاهرة، ويبسُطها بشار الأسد، ويجود بها على السوريين. وقد بدا منسوب الظرافة فقيراً في خفّة الدم لدى ناشر سوري، قال إن الناشرين العرب عندما يقاطعون المعرض لا يعاقبون غير القرّاء. ذلك أن العقاب الجماعي الذي يرزح تحت وطأته السوريون، في دمشق وغيرها، وهم يغالبون الجحيم الذي يتعرّضون إليه، أو يشاهدون بلدهم في أتونه، لا يستحقّ من صاحب الطرفة المذكورة نظرةً فيه وإليه.
عزفت دور نشر سورية محلية عن المشاركة في المعرض المتحدّث عنه هنا، وُصفت بأنها "تنويريّة" و"علمانيّة"، من باب أن مشاركةً مثل هذه همٌّ لا طائل منه، غير أن صديقنا سعيد البرغوثي (دار كنعان)، وهو المكافح الصموت، يُشارك، مساهمةً منه في "مقاومة اليأس". وفي هذه الإفادة، كما جاءت في أحد ذينك التقريرين الإخباريين، مقطعٌ يجيز الظن بأن صانع القرار في السلطة الحاكمة هناك إنما أراد، في إقامته معرض دمشق الدولي للكتاب صيف هذا العام، أن يختبر المدى الذي بلغه المزاج العام في عاصمة البلاد من مقادير اليأس والإحباط الشاسعين. وهذا ما ينسحب، أصلاً، على حرص هذه السلطة على تظهير عاديّة الحياة في دمشق تحديداً، فثمّة مسارحُ لها عروضها، وثمّة منتدياتٌ ثقافية تنتظم فيها أنشطةٌ ومؤتمراتٌ وملتقيات، بشأن قصيدة النثر، وعن "مؤامرة الربيع العربي" أيضاً. ويساهم فنانون ومغنون في إقامة سهراتٍ وحفلات، تكاد لا تتوقف، تأكيداً على أن دمشق تقاوم الظلام والظلاميين، ليس بغاز السارين والبراميل المتفجرة فحسب، بل أيضاً بإشاعة الفكر التنويري الذي يرفع بيارقه هناك، مثلاً، مخرج "البواسل"، نجدت أنزور الذي تولى موقعه، أخيراً، نائباً لرئيس مجلس الشعب، المنتخب بالنزاهة المعروفة.
من حق السوريين، في دمشق وفي كل مكان، أن يتوسّلوا أيَّ نزرٍ من أي بهجةٍ ميسورة وممكنة. ومن حقهم أن يطالعوا جديد الكتب في الفكر والأدب والعلوم وعموم المعارف. ويُغبط أيٌّ منهم يجد في نفسه الجاهزية النفسية والشعورية لابتياع ما تُصادف في نفسه هوىً من كتبٍ في معرض دمشق الدولي للكتاب، أو أقله، للتفرّج على المعروض هناك، فثمّة، مثلاً، من جديد هيثم مناع كتاب عن "داعش".. هل من يقرأ؟
نيسان ـ نشر في 2016-08-28 الساعة 11:07
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب