القاهرة وعمّان... و(فتح)
معن البياري
كاتب اردني مغترب
نيسان ـ نشر في 2016-08-29 الساعة 11:07
لجنة فتح تصدر بيانًا يدعو إلى العودة إلى مظلة الحركة بدعم من عبد الله الثاني والسيسي
تجتمع اللجنةُ المركزيةُ لحركة فتح، برئاسة محمود عباس، ليلاً، ثم تصدر بياناً، يُنشر نهار اليوم التالي الذي يشهد لقاءً بين الملك عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي، في القاهرة، يصدر عنه بيانٌ مشترك، تأتي سطورٌ منه على تقدير "الزعيمين" ذلك البيان الفتحاوي. وهذا فعلٌ غير مسبوق، إذ أيُّ "فتحٍ" هذه، وأيٌّ لجنةٍ فيها، ينشغل بهما ملكٌ ورئيسٌ عربيان، في مباحثاتٍ بينهما، جاءت على حزمةٍ من قضايا العلاقات الثنائية والأوضاع العربية؟ خصّ الاثنان بالتقدير عباس، وإصدار تلك اللجنة بياناً يدعو "أبناء فتح" إلى العودة إلى مظلة الحركة، بما يخدم القضية الفلسطينية، والوضع الداخلي الفلسطيني بشكل عام، خاصة في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها القضية، والتي يضيف البيان أنها "تتطلب وحدة الصف، ودعم القوى المعتدلة لمواجهة الإرهاب الذي يعاني منه العالم أجمع".
بعيداً عن تزامن البيانين، الفتحاوي في رام الله والأردني المصري في القاهرة، في يومٍ واحد (24 أغسطس/ آب الجاري)، من هم بالضبط أبناء الحركة المدعوّون إلى العودة إلى مظلتها، ويكترث بهم عبد الله الثاني وعبد الفتاح السيسي، إلى حد اعتبارهما عودتهم مساهمةً في دعم القوى المعتدلة لمواجهة الإرهاب؟ رحب ببيان اللجنة المركزية فتحاويون كثيرون، خصوصا "المفصولون" منهم. وبدا الأمر سعياً من محمود عباس وفريقه إلى لملمةٍ ظرفيةٍ للصف الفتحاوي، من أجل تحقيق أفضل النتائج الممكنة في انتخابات المجالس المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، المقرّر انتظامها في أكتوبر/ تشرين الأول (هل تتأجّل؟). ولكن، من غير المتوقع أن يكون هذا الأمر هو المقصود في بيان العاهل الأردني والرئيس المصري. والظاهر أنه بيانٌ، في المقطع الفلسطيني منه، إما أنه يكشف عن مخاوف في عمّان والقاهرة من اتّساع بؤس حزب السلطة الوطنية (فتح) وتصدّعاته، ما يبعث على القلق، ويُنذر بأن هذا الحال يصبّ في طاحونة حركة حماس، الأمر الذي تتعوّذ منه العاصمتان، وهذه مخاوف واردةٌ (ومسوّغة؟). أو أن الإشارة قويّة من قصر الاتحادية في القاهرة، وباستضافته الملك عبد الله الثاني، إلى أن المصالحة بين عباس ومحمد دحلان ينبغي أن يُستعجل في إجرائها، وخطوتها الأولى عودة الأخير إلى حركته، فتح، فهو من أبنائها، وإنْ تم فصله منها. ومصالحةٌ مثل هذه، تلحّ عليها أجهزة السيسي خصوصاً، قد لا تكون المقصودة بذاتها، وإنما ما سيتدحرج في عقابيلها من مستجدّات، قد تؤهل دحلان إلى رئاسة دولة فلسطين، أو تجعله في مقام الرئيس، أو تصيّره العقل الأول في مرحلة ما بعد محمود عباس، في أثناء رئاسة هيلاري كلينتون (المرجّحة) في الولايات المتحدة قريباً.
ليست القصةُ أحجيةً، حتى يُستغرق في شرح الظاهر والخافي في بيان 24 أغسطس المصري الأردني، في جزئيّته الفلسطينية، المثيرة، على غير حال الفقرات العراقية والسورية و"الإسلامية الوسطية" فيه. ولكن، يجوز السؤال عمّا إذا صار الجهد المصري في الملف الفلسطيني مقصوراً على خرّافية "المصالحة الفتحاوية" (هذه هي المصالحة في إعلام السيسي)، وعلى الاندفاع أكثر وأكثر باتجاه إسرائيل، لما لذلك من نفعٍ أميركيٍّ للنظام. هذان هما المسلكان الواضحان في أداء الدولة العربية المركزية في النظام العربي الرسمي. وإذ تُبدي شواهدُ منظورةٌ أن عمّان تراهن على "وزنٍ" إقليمي مصري في غير ملفٍّ عربي، فإن سؤالاً يصير مطروحاً (هل هناك سؤالٌ يطرح نفسَه بنفسه؟)، عن وجاهة هذا الرهان الغريب، الخائب على الأرجح. وكانت مزحةً بائخةً أن يبحث سامح شكري في بيروت، أخيراً، أزمة الرئاسة في لبنان، وكأن في مقدور القاهرة أن تصنع شيئاً في هذه المشكلة. كنا سنسعد لو أن مصر في عافيتها الداخلية، وفي لياقتها السياسية، وفي اعتباريّتها المشتهاة، وفي حيويتها المرجوّة، لتساهم بفاعليةٍ في الحدّ من الحطام العربي المتسارع، لكن اعتناءَها، أخيراً، ببيانٍ لحركة فتح دلّ، مجدّداً، على عظيم مشاغلها، ومقادير ما تبذله لإنجاز التضامن العربي، وهي تُشرك عمان في انشغالها هذا.
نيسان ـ نشر في 2016-08-29 الساعة 11:07
رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب