اتصل بنا
 

الشعب في نيس

نيسان ـ نشر في 2016-09-06 الساعة 12:13

الرئيس يمنح الشعب إجازة مجانية على شواطئ نيس لأربعة أيام
نيسان ـ

كان صاحبنا يسابق الزمن، للتحلّل من ثيابه، والاكتفاء بملابسه الداخلية فقط، على اعتبار أنها "المايوه" الذي سيقضي به أيام الإجازة الطارئة التي هبطت عليه فجأة من أفضال "الرئيس" الذي قرّر بغتة، بوصفه "ممثلاً للشعب"، أن يمنح هذا الشعب كله، دفعةً واحدة، إجازةً مجانية على شواطئ نيس أربعة أيام. وكان خوف صاحبنا مبرّراً، لأنه، في المرة السابقة، لم يجد موضعاً فارغاً على الشاطئ الذهبي، لكن هذه العجلة لم تمنعه من التفكير بإرسال برقية شكر للرئيس، حالما تنتهي الإجازة.
والواقع، أن الرئيس، منذ قرّر أن يكون "ممثلاً" للشعب بـ"البسطار"، ذات انقلاب بعيد، قرّر أن يمنح هذا الشعب الذي يمثله كل صنوف "الدلال"، من خلال فخامته هو، ليكفيه عناء السفر بالطائرات، و"تبذير" الدخل القومي. ولتحقيق هذه الغاية، ألقى فخامته خطاباً للشعب، في اليوم الأول لانقلابه، أبلغهم فيه أنه سيحقق لهم كلّ أمانيهم، من دون حتى أن يغادروا أماكنهم.
قال لهم: يا شعبي العزيز.. كل ما تطلبونه سيأتي إلى فراشكم.. ستجوبون الأرض كلها، من دون أن تتحرّكوا خطوة. وتتمتعون بأفخر أنواع الطعام، من دون أن تكلفوا أنفسكم عناء المضغ والبلع. وسترتدون الثياب الفاخرة حتى وأنتم عراة، وتقودون السيارات الفارهة، ولو كنتم على ظهور الحمير، وتقطنون القصور الباذخة، وأنتم في غرف الصفيح. وأعدكم بحرية الرأي والتعبير من دون أن تتفوهوا بكلمة واحدة.. وأنا وحدي من سيتحمل "عناء" تحقيق رغباتكم كلها. وبهذا، نضمن الحفاظ على الدخل القومي، وتحقيق الأمن والأمان في بلدنا، فاطمئنوا.
استقبلت جموع الشعب هذا الخطاب المؤثر، بحماسةٍ بالغة، وشعرت أنها حصلت، أخيراً، على رئيس سيلبّي طموحاتها، وينشلها من حضيض اليأس إلى ذروة الأمل، فخرجت إلى الشوارع هاتفة: "الرئيس يمثلني". وللحق، لم يخلف الرئيس وعده مع شعبه، بدليل أنه اتبع نهج "الشفافية" إلى أبعد الحدود، حول تحركاته (المقصود تحركات الشعب الذي لا يتحرّك)، فكان يُصدر، وعلى نحوٍ شبه يومي، بياناً سارّاً، يحمل، في طياته، "بشرى" يحرص فيها أن تنسجم مع وضع "غير سار" بالنسبة للشعب، لينتشلهم منه.
من بيانات "الفرج"، مثلاً، أن الرئيس، حين وصلت إليه تقارير مخبريه، أن ثلاثة أرباع الشعب بات مديناً للبنوك، بسبب ضآلة الدخل، قرّر أن يصدر بياناً، يكشف فيه عن رصيده الضخم في البنوك الذي يتجاوز المليارات بكثير، وختم البيان داعياً الشعب إلى الاطمئنان، لأن هذا الرصيد "لهم"، على اعتبار أن الرئيس مجرّد "ممثل" لهم، فاطمأن الشعب، وشعر بأنه أصبح "مليونيراً"، على حين غرة.
وحين كان يشعر الشعب بالجوع، كان الرئيس يصدر بياناً متلفزاً، يحمل قراراً من فخامته، بتناول طعام الغداء هذا اليوم في مطعم فخم، وتفرد على طاولته حزمة من الأطباق الشهية، وما على الشعب إلا أن يتناول الطعام بفم الرئيس نفسه الذي يمثله، ثم ينهض الشعب متخماً، يبحث عن أقرب مرحاض للتفريغ.
وينسحب الأمر نفسه على الحريات العامة، إذ كلما شعر الزعيم بأن الشعب بات يضيق ذرعاً بالكبت والسجون، كان يلجأ هو إلى منح نفسه مزيداً من الصلاحيات والحريات لفعل ما يشاء، على اعتبار أن هذه الحريات للشعب نفسه الذي يمثله، فيحتقل المعتقلون في الزنازين بنسمات الحرية، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الخروج من سجونهم.
على هذا الأساس، كان "صاحبنا" الذي يهيئ نفسه لقضاء العطلة السارّة على شواطئ نيس سعيداً بالزعيم الذي يمثله، فراح يخلع ملابسه ويكتفي بالمايوه "الداخلي"، ويعدّ مظلة الشاطئ، وحقيبة السفر، وزاد الرحلة الذي لن يتعدّى حبة طماطم وبصلة ناشفة. حمل كل شيء بسرعة، وخرج إلى الشارع. لكن، سرعان ما عاودته الكآبة، حين وجد أرصفة الشوارع كلها قد امتلأت بأمواج "المصطافين" الذين يرتدون المايوهات، ويضطجعون باسترخاء تحت مظلاتهم المنتصبة. -

نيسان ـ نشر في 2016-09-06 الساعة 12:13


رأي: باسل طلوزي

الكلمات الأكثر بحثاً