كيف كان الحج أيام زمان؟ (صور)
نيسان ـ نشر في 2016-09-07 الساعة 11:08
لكل زمن معطياته وأدواته، فالحج في العصر الحديث اختلف جملة وتفصيلاً عن الأزمنة الماضية، في ظروفه ووسائل مواصلاته ومخاطره. نستعرض أهم معالم وحكايات الحج قبل نحو 117 عاماً، استناداً إلى كتاب "الحج قبل مئة سنة"، للكاتب الروسي يفيم ريزفان، الذي جمع في كتابه تقارير وثائقية كتبها ضابط روسي مسلم دُعي عبد العزيز دولتشين. كانت السلطات القيصرية الروسية أرسلته عام 1898 إلى أراضي الحجاز بقصد الحج كسبب معلن، وبقصد وضع تقرير عن مشاهداته وانطباعاته عن حال بلاد العالم الإسلامي كسبب مضُمر.

تكمن أخطار السفر للحج في عمليات النهب التي يقوم بها البدو، وفي اعتدائهم السافر على القوافل، وكذلك المقاومة المسلحة التي تبديها بعض القبائل لمرور القوافل في أراضيها. قال دولتشين في تقاريره إن البدو ينقسمون إلى كثير من القبائل التي يشرف على كل منها شيخ، وتشغل كل منها منطقة معينة، وهناك قبائل غالباً ما تتعادى فيما بينها وتهاجم بعضها بعضاً ولها حسابات دائمة بصدد الدم. وهم يعتبرون أنفسهم الأسياد الحقيقيين لمناطقهم، ولهم الحق في أن يجيزوا أو يمنعوا القوافل من المرور في أراضيهم.
يحمل البدوي دائماً الأسلحة في اليدين، سواء بندقية شطف "بقداحة" أو بندقية بفتيل أو رمح، وعلى الكتف أو على الظهر، يتدلى سيف ذو حد أو حدين، وعلى حزامه الجلدي مسدس وخنجر، ولوازم معدنية مختلفة لحفظ البارود والرصاص.
وبندقية الشطف تعتمد في إشعال بارودها على المقمع، الذي يحتوي في قعره على كبريت يشتعل بالضغط على الزناد. ومن أسمائها "القداحي" أو "المقمع". أما بندقية الفتيلة، فهي ذات قصبة طويلة تُدكّ بالبارود من فوهتها بسيخ يسمّى "المدك". بندقية الرمح هي بندقية يُركب في مقدمتها سكين.
وفي الطريق بين مكة وجدة، حيث الحركة الدائمة، تشكلت عصابات كاملة من قطاع الطرق تنهب وتسلب على الدوام رغم وجود المخافر، أما في الطريق بين مكة والمدينة المنورة وينبع فإن هذا الشر يتطور أثناء حركة الحجاج. فالقبائل برمتها تتعاطى السلب والنهب، من دون أن تعتبر ذلك جريمة، وتبيع علناً وبكل حرية ما تحصل عليه من الأشياء بهذه الطريقة.
ويروي دولتشين أنه أثناء إحدى الوقفات في الطريق بين مكة والمدينة المنورة، ظهر بدوي، وأخذ يتنقل على الركب كله، عارضاً بيع سلاح وحزام وألبسة حج، وبدلة حاج اعترف بقتله على المكشوف، ورغم السعر التافه الذي طلبه لم يعمد أحد من الركب إلى شراء المعروض.
البدو الذين يتعاطون السلب والنهب، يتتبعون القافلة كما تتبع الذئاب الجائعة القطيع، متخفين نهاراً في مكان ما يترقبون المسافرين المتخلفين. وحين تتوقف القافلة في الظلام لأجل الراحة ينقضون عليها، ويحدث في هذه الحال الهرج والمرج. ثم يتسنى لهؤلاء الضواري، أن يختلطوا مع أهل القافلة، ويقطعوا الزنانير التي تحفظ فيها النقود عادة، صاعقين مسبقاً بضعة أشخاص بضربات على مؤخرة الرأس بالهراوة وهو ما يسفر غالباً عن الموت.
وقال الضابط الروسي في تقاريره إن هناك اعتقاداً بأن مقترفي أعمال النهب والسلب هم سواقو جمال القافلة، الذين يعرفون الأشرار، ويعطونهم التعليمات بصدد من ينهبون وكيف. لهذا يحاول المسافرون أن يستميلوا سواقيّ الجمال في قافلتهم، بإعطائهم يومياً البخشيش وبقايا الطعام وما شابه.
مصاعب الانتقال
ويستعرض الكتاب مصاعب الحركة وانتقال الحجاج من مكان لآخر، فتربة جميع الطرق في الحجاز من الرمل الخشن جداً. وهي موجودة بجوار الجبال وتتناثر فيها أحجار متفاوتة الكبر. أما الطرق الضيقة والمعابر فتعترضها كسور من الصخور تصعّب الحركة كثيراً.
وبين مكة المكرمة والمدينة المنورة، توجد أربع طرق إحداها تتلوى حول جبال الحجاز من الشرق، وأخرى من الغرب. واختيار هذه الطريق أو تلك عند الانطلاق من مكة، يجري عادة بإشارة من الشريف الذي يعرف العلاقات بين مختلف القبائل، كما يعرف وضع الأمور بين البدو. وهناك طريق خامسة هي السبيل البحري، لكنه يتسم بالوعورة الشديدة، لذا لا يستفاد منه.
وبحكم العادة عند البدو، يستطيع جميع المارة أن يستقوا الماء من الآبار بلا عائق ومجاناً، أما ماء الصهاريج فلا يمكن الحصول عليها إلا بشرائه.


