اتصل بنا
 

الرقص مع الأقليات

صحافي وكاتب

نيسان ـ نشر في 2016-09-09 الساعة 14:33

تصنيف الجموع البشرية وفق اعتبارات إثنية ولغوية ودينية يعكس سلوك سلطوي يتجه نحو الإقصاء أو الاحتواء، ويستخدم كذريعة لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية، وهذا ما يحدث في الوطن العربي حيث تحتكر أنظمة الحكم الثروة والسلطة وتحكم المعرفة، مما يولّد شعوراً بالمظلومية والاضطهاد لدى الغالبية، ويستخدم هذا الشعور كذريعة لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية.
نيسان ـ

لم يتشكّل مصطلح "الأقلية" بعيداً عن أجندات سياسية وقفت وراءه عبر التاريخ، وإن اختلفت حسابات كل حالة على حدة، إذ كانت الشعوب القديمة، ومنهم اليونانيون، تنعت الجماعات التي تعيش خارج المدن الإغريقية، أو التي احتلوها (أي خارج مناطق حكمها المباشر) بـ"الأقليات"، وربما لم يختلف الأمر حين استعمر الأوروبيون "العالم الجديد"، وتعاملوا مع أهله الأصليين في أستراليا وأميركا الشمالية، مثلاً، بوصفهم "أقليةً".
تصنيف الجموع البشرية، حسب حجمها العددي، ووفق اعتبارات إثنية ولغوية ودينية، يحيل أساساً إلى سلوك سلطوي يتجه نحو الإقصاء أو الاحتواء، اللذين يخضعان لتقديرات فائض القوة أو الظروف المحيطة، مما يدلّ عليه تغيّر تقييمات السلطة، أينما كانت، تجاه كل الثقافات المتضادة أو النافرة، أينما حلّت، عن مشروعها السياسي.
قبيل الغزو الأميركي لبغداد عام 2003، ركّزت ماكينة الإعلام الغربي، والعربي كذلك، باسم الديمقراطية على فكرة ظلم "أقلية حاكمة" لـ "أكثرية محكومة" بناء على تصنيفات طائفية وعرقية، ورغم مجيء نظام جديد مؤسس على المحاصصة بين هذه الطوائف والأعراق، إلاّ أن هذه التقسيمات لم تختف لبناء عقد اجتماعي جديد، وبقيت ذريعةً تعيد استخدامها الأطراف المتصارعة داخل العراق وعليه إلى اليوم، بل يمكن القول بثقة إن أسوأ ما ورثه حكّام بغداد الجدد عن أسلافهم هو الفساد والاستبداد، وربما بدرجات مضاعفة.
بالمثل، ثمة إصرار متعامد على معاينة الأزمة السورية بالمنطق نفسه، حيث وظّف المتحاربون على كل الجبهات حديث الأقليات باتجاه مصالحهم ورغباتهم، بل وأسقطوا قراءاتهم الضيقة والمحدودة على تاريخ البلد منذ عقود، مما يعني خلاصة وحيدة هي إدامة التقاسم لعقود وربما قرون مقبلة.
يمكن متابعة المشهد الليبي، الذي انفرط على حرب دموية قوامها اختلافات قبلية ومناطقية تنزع إلى تحديد القلة والكثرة بالاستناد إلى معادلات القوة والدعم الخارجي والتوصيفات الإعلامية، التي لا تفضي حتماً إلى حقائق موضوعية على الأرض.
لا يحتاج تصنيع "الأقلية" في الوطن العربي إلى معجزة؛ وجود أنظمة تحتكر الثروة والسلطة وهي بالضرورة تحتكر المعرفة – ابتداءً من النظام التعليمي وليس انتهاءً بوسائل الإعلام - يسهّل تولد شعور بالمظلومية والاضطهاد لدى غالبية الشعب، وعندها لا يتطلب الأمر سوى ضغوطات خارجية وقليل من التلاعب بالمصطلحات.
التغيّرات التي تحدث، بالضرورة، هي تبديل أقلية محتكرة بأقلية محتكرة أخرى، أو تقاسم بين محتكرين، ما دامت شروط اللعبة تقتضي ألاّ يُمسّ النظام الذي يصنّع "الأقليات".

العربي الجديد

نيسان ـ نشر في 2016-09-09 الساعة 14:33


رأي: محمود منير صحافي وكاتب

الكلمات الأكثر بحثاً