اتصل بنا
 

السعودية..الخروج من الحمّام الأمريكي ليس كالدخول فيه

نيسان ـ نشر في 2016-09-14 الساعة 18:33

x
نيسان ـ

كتب محمد قبيلات.. تمر العلاقات السعودية الأمريكية بمرحلة حرجة، لم تمر بمثلها إلّا ربما في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما رفض السفير الأمريكي في القاهرة آنذاك، الاعتراف بالدولة السعودية الناشئة في نواحي نجد والحجاز، بينما كان الاتحاد السوفييتي من أول المعترفين بالدولة السعودية الوليدة.
وكما كان النفط هو السبب الرئيسي للاعتراف الأمريكي بالسعودية، حيث بدأت تتبلور السياسة الأمريكية في المنطقة على وقع أخبار الاكتشافات النفطية، فإن هذه العلاقات باتت اليوم مهددة وللسبب نفسه: النفط.
حيث هدد وزير الخارجية عادل الجبير ببيع الأصول السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية إثر تفاعلات المطالبات بإقرار قانون يتيح مقاضاة السعودية بسبب مشاركة ارهابيين من أصول سعودية في هجمات الـ 11 من أيلول.
فإلى أي مدى يبدو التهديد بسحب الاستثمارات السعودية من أمريكا واقعيًا؟
يبقى هذا السؤال معلقًا برسم إجابات منوطة بمجريات الأحداث في الأيام المقبلة.
لمحة تاريخية
مرّت العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية بمراحل مختلفة، امتدت منذ أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي إلى هذه الأيام.
كان من الطبيعي أن تتمحور هذه العلاقة بشكل واضح حول المصالح، فقد كان النفط عمادها، ويمكن تقسيم العلاقة التاريخية بين البلدين على المراحل التالية:
امتدت المرحلة الأولى منذ اكتشاف آبار النفط في السعودية، واستمرت إلى عام 1973، حيث كانت أمريكا هي التي تحدد سعر النفط وتشرف على استخراجه ونقله، وكانت أسعار النفط رخيصة جدًا، ولم تكن السعودية تمتلك من الامكانات الفنية والإدارية التي تؤهلها لإدارة عملية بهذا القدر من الحجم والأهمية.
وبدأت المرحلة الثانية بُعيد الحرب التي قامت بين اسرائيل والدول العربية عام 1973، واستمرت إلى عام 2008، كانت البداية حين قرَّرت منظمّة الدول العربية المصدّرة للنفط «أوابك» ، والمؤلفة من الأعضاء العرب في «أوبك»، إضافة إلى مصر وسورية –فرض حظر نفطي على الولايات المتّحدة، بريطانيا، هولندا، اليابان وكندا؛ لتندلع أزمة شديدة عُرفت بـ «أزمة النفط الأولى».
أدى الحظر، الذي جاء ردًا على الدعم العسكري الأمريكي للإسرائيليين، في نهاية المطاف إلى زيادة أسعار النفط أربعة أضعاف، وانهيار البورصة الأمريكية.
وبناء على ذلك أرسل ريتشارد نيكسون، الرئيس الأمريكي في حينها، وفدًا على رأسه وزير الخزانة وليم سايمون، وهو عرّاب أول صفقة استثمارية ضخمة لتمويل الديون الحكومية الأمريكية من قبل المملكة العربية السعودية، وتم الاتفاق على ذلك مع الملك فيصل في مدينة جدة السعودية عام 1974.
أسفرت تلك المباحثات بالإضافة إلى رفع سعر النفط، إلى الاتفاق على أن تستثمر المملكة العربية السعودية عوائد النفط في سندات الخزانة الأمريكية.
كان من شروط هذا الاتفاق أن يكون سريا، لذلك لم تخضع أرقام الاستثمارات السعودية لمبدأ الشفافية بصفتها معلومات تخص الأمن القومي الأمريكي، ولتجنيب الملك فيصل الحرج من الدول العربية، ظلت الأرقام حبيسة الكتمان، ما أثار الكثير من التكهنات، لكن توقعات متطابقة قالت إنها ربما بلغت نحو 1350 مليار دولار، لكنها تلقت ضربة قاصمة في أزمة الرهن العقاري التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي عام 2008 – 2009 ما أدى إلى خسارة نحو 40% من قيمة هذه الاستثمارات.
أما المرحلة الثالثة فقد امتدت من 2010 إلى 2016، وانتهت في الأعوام الماضية بهبوط أسعار النفط ما ولّد عجوزات غير مسبوقة في الموازنة السعودية، الأمر الذي استدعى أن تقوم الجهات المختصة السعودية بتسييل أكثر من 200 مليار دولار، من الأصول الامريكية المملوكة للسعودية في أمريكا، من أجل سد عجز الموازنة فقط في العامين الماضيين.
لا بد أن للحرب التي تخوضها السعودية الآن في اليمن تأثير في المجريات الاقتصادية في المملكة، لكن يجب أن لا ننسى أن السعودية لم يتأثر مركزها المالي برغم تسديدها فواتير الحروب في المنطقة العربية، ومن قبل عام 1967.
لا شك أن سعر النفط يؤثر في الاقتصاد السعودي فعليًا، وبشكل حاسم، فلقد دعمت السعودية دول المواجهة وجبهة الصمود والتصدي، ودعمت العراق في حربه مع ايران، ودفعت فاتورة عالية نتيجة الحرب الناتجة عن دخول القوات العراقية الكويت، وما زالت السعودية تسدد فواتير الحروب في المنطقة، إضافة إلى تكاليف سباق التسلح الذي بدأت تخوض غماره في مواجهة بعض دول الإقليم.
الخروج من الحمّام الأمريكي ليس كالدخول فيه
تمت اثارة قضية تعويضات أهالي ضحايا الـ 11 من سبتمبر في إطار الضغط على السعودية للتوقف عن عملية بيع الاستثمارات الناعمة التي بدأتها منذ عامين، ما استدعى أن تتصاعد حدة اللهجة بين البلدين، كان آخرها تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي هدد ببيع الأصول السعودية في أمريكا اذا ما تم انفاذ القانون الذي يستطيع أهالي الضحايا وفقه رفع قضايا تعويض ضد المملكة العربية السعودية، قد تؤدي إلى الحجز على السندات والودائع والاستثمارات الخاصة بها في أمريكا.
لكن الخروج من الحمّام الأمريكي ليس كالدخو ل فيه، ولا شك أن في السعودية مراكز عميقة تُقدّر هذا الأمر، وما تعاطِي وزير الخارجية مع الموضوع على هذا النحو إلا لأغراض الاستهلاك المحلي، فالسعودية ليست مجرد مستثمر في أمريكا، بل إن هذه الأرقام الفلكية ما هي ألّا بحكم الدّين على الولايات المتحدة الأمريكية.
فقد قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إن الحكومة السعودية هددت ببيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة، تصل قيمتها ألى 750 مليار دولار، في حال إقرار الكونجرس مشروع قانون يحمّل المملكة مسؤولية معينة في اعتداءات الـ 11 من سبتمبر 2001.
وأضافت الصحيفة، في مقال نشرته للكاتب بنيامين أبلباوم، أن «السعودية تلعب بالنار، فهي ستتضرر إذا نفذت تهديداتها بتسييل الاستثمارات في الولايات المتحدة».
الانسحاب الناعم
هذا الأمر يأخذنا إلى الطريقة التي تعاملت بها دول مثل اليابان والصين، اللتين تبيعان منتوجاتهما بالدولار وتواجهان المشكلة ذاتها؛ فإما أن تتكدس في خزائنهما تريليونات الدولارات، أو تذهبان لضمان حقوقهما بتملك أصول وسندات أمريكية، وفي الحالتين فإنهما بحكم الدائن للولايات المتحدة، لكن تملّك الأصول يشكل ضمانة أكبر من الاحتفاظ بالدولار، وعندما أرادت اليابان والصين بيع وتسييل بعض هذه الأصول كالتا المديح للاقتصاد الأمريكي، من أجل تسهيل عمليات البيع وعدم خلق حالة من الهلع في الأسواق؛ ستنعكس حتما على أسعار هذه الأسهم والمستندات، لكن، وعلى ما يبدو فإن الجبير يُغرّد في وادِ آخر.
هذا؛ إضافة إلى أن إيجاد مجالات استثمارية أخرى ليس بالأمر السهل، فصحيح أن هناك مخاطر تهدد الاقتصاديات الأمريكية، لكن هذه المخاطر ليست أقل في المناطق الأخرى من العالم.
كما أن هناك استثمارات مهمة لجهة الوصول إلى المستهلكين مباشرة، فلقد قامت شركة أرامكو السعودية مؤخرا بتملك مصفاة "بورت آرثر" بولاية تكساس التي تعتبر "جوهرة التاج" بالنسبة لصناعة النفط الأمريكية، لأن طاقتها الاستيعابية تصل إلى 600 ألف برميل يوميا، وهي أكبر مصفاة نفط في أمريكا، الأمر الذي سيؤهل ارامكو للحصول على موقع استراتيجي، يسمح لها بنقل نفطها الخام وتصفيته ومن ثم بيعه في أسواق أمريكا الشمالية.
الاقتصاد أولًا
الحديث يجري اليوم عن استثمارات قد تصل قيمتها إلى نحو 800 مليار دولار أمريكي، برغم التصريحات الأمريكية المخاتلة التي تتحدث عن حجم الاستثمارات السعودية وأنها فقط بحدود 116 مليار دولار.
الغاية - على الأغلب- من هذه التصريحات، التقليل من حجم المشكلة بهدف التهدئة وخلق أجواء من الطمأنينة لدى الآخرين، غير أن المبالغ قد تكون أكثر من ذلك بكثير، خصوصا أن هناك الكثير من الاستثمارات تخص شركات خاصة أو شبه حكومية، ناهيك عن الشركات والاستثمارات العابرة للقارات والدول المرخصة عن طريق الـ "أوف شور" التي لا يمكن تحديد جنسيتها.
أمّا اليوم وقد تراجعت السياسة لمصلحة تقدّم ملفات الاقتصاد، وبعد انكفاء السياسة الخارجية الأمريكية لمصلحة السياسات الداخلية، فليس بالإمكان أن تستخدم المملكة السعودية حصّتها من الدين الأمريكي ورقة ضغطٍ سياسية، على غرار الصورة نفسها التي استخدمت بها الورقة النفطية في مطلع السبعينيات، وما هذا الخيار، إن وجد، إلّا محض خيال.
صحيح أن السعودية هددت الولايات المتّحدة، في أبريل (نيسان) الماضي، بأنّها ستبدأ ببيع أصول تقدّر قيمتها بـ 750 مليار دولار أمريكي، في حالة تمرير الكونجرس مشروع قانون يسمح لأسر ضحايا هجمات الـ 11 من سبتمبر، بمقاضاة حكومات أجنبية، لكن هذا يأتي أيضا بالتزامن مع ضغط سياسي من قبل مرشحي الرئاسة وسياسيين أمريكيين ومراكز قرار للكشف عن جزء من التقرير الأمريكي الحكومي لعام 2004، الذي يُعتقد بأنّه يحوي معلومات مفصلة عن هجمات الـ 11 من سبتمبر التي قد تستخدم ذرائع جديدة تبرر التحفظ على الاستثمارات السعودية في أمريكا.
القضية اقتصادية محض وتخضع لقانون المصالح، وفيها من التشابكات؛ ما يكفي لأن تجعل المملكة العربية السعودية مضطرة لاستخدام الأدوات الاقتصادية المتاحة فقط، والابتعاد عن كل ما يمكن أن يخلق الظروف التي قد تؤدي إلى تكبد خسائر مادية فادحة.

نيسان ـ نشر في 2016-09-14 الساعة 18:33

الكلمات الأكثر بحثاً