اتصل بنا
 

الكِتاب القاتل

نيسان ـ نشر في 2016-09-20 الساعة 12:21

يكتب كتاب الوصفات الفوضوية الذي يحتوي على طرق لتصنيع المتفجرات والأسلحة، ويصدر عام 1971، ويصبح محط اهتمام القتلة القاصرين، بما في ذلك الطالبان إريك هاريس وديلان كليبولد اللذان ارتكبا جريمة مدرسة كولومباين الشهيرة عام 1999، ويعيد تصوير فيلم سينمائي حديثاً تحت عنوان فوضوي أميركي.
نيسان ـ

يعيد تصويرُ فيلم سينمائي وخروجُه إلى الصالات حديثاً، تحت عنوان "فوضوي أميركي"، الكاتبَ والكتاب اللذين يستند إليهما السيناريو الوثائقي، إلى الواجهة. هذا في حين أن الكاتب الذي وضع مؤلّفه، وهو في التاسعة عشرة من عمره، ما انفكّ يطالب، ومنذ عقود، بالامتناع عن إعادة طبع كتابه، وقد بلغ عددُ طبعاته إلى اليوم 29 طبعة.
وقد تكون قصة هذا الكتاب، أو قصة صاحب الكتاب مع كتابه، أكثر أهميةً من المحتوى الذي استدرج العديد من المقالات السلبية التي، بدل أن تُقصي القرّاء عنه، زادتهم رغبةً في اقتنائه. أما الكاتب فهو لم ينتظر اليوم، وقد بات في منتصف ستينياته، لكي يعترف بأنه يعتبر كتابه ذاك من أخطاء الشباب، أو ليتبرّأ منه، معتبراً أن من الواجب حماية الشبّان الذين يشكون من خللٍ نفسي ما، من الحصول عليه. فالكتاب هذا قد وجد بين أغراض عدد من القتلة القاصرين الذين ارتكبوا جرائم فظيعة، وعلى رأسهم الطالبان إريك هاريس (18 سنة) وديلان كليبولد (17 سنة)، المسؤولان عن مقتلة مدرسة كولومباين الشهيرة عام 1999، وهي التي أودت بحياة 12 طالبا وأدت إلى جرح 20، إضافة إلى انتحار القاتلين.
الكتاب صادر عام 1971، عنوانه "كتاب الوصفات الفوضوية"، وقد قام بتأليفه، أو الأحرى بتجميع وصفاته، وليام بُوِيل البالغ حينها 19 عاماً. كان بويل قد ترك المدرسة، لكنه أعفي من الخدمة العسكرية، ومن المشاركة في حرب فيتنام، لسببٍ لم يعرفه، ويعود، في الغالب، إلى هامشية الحياة التي كان يعيشها آنذاك، تعاطيه الممنوعات، رفضه السلطة، غضبه من المجتمع، ومعاداته الحرب، وهو ما كان سائداً لدى شباب السبعينيات، في أميركا، كما في سواها من البلدان. كان بويل مؤمنا بالسلام، لكنه كان يرى أن الطرق السلمية لا تفضي إليه، بل شيء من العنف الذي قد يكون استخدامه ضرورياً في بعض الأحيان. هذا ما حمله إلى تضمين كتابه طرقاً يدويةً وسهلة لتركيب متفجرات، أو لتحضير مخدّرات، أو لصنع قنابل وأسلحة... إلخ، وكل ما يساعد في تنفيذ عمليات إرهابية وقتل أشخاص.
بعد أن ترك بويل المدرسة، ترك عمله أيضاً، وراح يمضي عشر ساعاتٍ في اليوم في تأليف كتابه الخالي من أية نظريةٍ سياسيةٍ، ومن أية دعوة إلى اعتناق الفوضوية، والمتضمّن حصراً وصفاتٍ لم يجرّبها، لأن من بينها ما هو غير قابل للتطبيق أصلاً، مثل تحويل قشر 200 باوند من الموز، المغلي والمحمّص، إلى مخدّرات، أو تدخين الفستق المدقوق. في المقابل، جمع بويل ما أمكنه جمعه من معلوماتٍ من كتب جادّة استعارها من المكتبة العامة في نيويورك، ما جعل كتابه أشبه بعملية نسخٍ ولصقٍ تخللتها بعض الجمل الشخصية في تقديم هذا الفصل أو ذاك. فعلى سبيل المثال، في مقدمة الفصل المتعلق بالمتفجرات، نقرأ التالي: "سوف يقتل هذا الفصلُ ويشوّه عدداً من الناس أكبر مما ستفعله كل الفصول مجتمعة، لأن الناس يرفضون أخذ الأمور على محمل الجد".
عند انتهائه من تحرير مخطوطه، أرسله بويل إلى أكثر من ثلاثين ناشراً رفضوا نشره لأسبابٍ مختلفة. إلى أن أبدى الناشر، ليل ستيوارت، اهتماما بنشره، هو الذي عُرف عنه مقدرته على اكتشاف الأعمال التي ستُحرز مبيعاتٍ عالية. عند صدور الكتاب وإحداثه ضجةً كبيرة في وسائل الإعلام، طلب البيت الأبيض نسخةً، وكلّف وكالة الاستخبارات بإجراء تحقيقٍ بشأنه، فجاء تقريرهم كالتالي: لا يخالف الكتاب أية قوانين فيدرالية.
سلك الكتاب طريقه إلى الشهرة، وراح يُباع جيلا إثر جيل، إلى أن لبسته التهمة بأنه وراء تحوّل بعض قرائه إلى قتلة، وبأنه وراء مقتل كثيرين. هذا فيما كان كاتبه يبتعد عنه، يتنكّر له، مبدّلا مسار حياته ومنتهجاً فلسفةً أخرى، أوصلته إلى امتهان تعليم اللغة الإنكليزية لذوي الاحتياجات الخاصة، أينما كان.
لقد تخلّى الكاتبُ عن كتابه. أما الكتابُ، فقد أخلص لكاتبه حدّ القتل.

نيسان ـ نشر في 2016-09-20 الساعة 12:21


رأي: نجوى بركات

الكلمات الأكثر بحثاً